وكان أبوها المستكفي بايعه أهل قرطبة لما خلعوا المستظهر كما ألمعنا به في غير هذا الموضع وكان جاهلا ساقطا وخرجت هي في نهاية من الأدب والظرف حضور شاهد وحرارة اوابد وحسن منظر ومخبر وحلاوة مورد ومصدر وكان مجلسها بقرطبة منتدى لأحرار المصر وفناؤها ملعبا لجياد النظم والنثر يعشو أهل الأدب إلى ضوء غرتها ويتهالك أفراد الشعراء والكتاب على حلاوة عشرتها وعلى سهولة حجابها وكثرة منتابها تخلط ذلك بعلو نصاب وكرم أنساب وطهارة أثواب على أنها أوجدت للقول فيها السبيل بقلة مبالاتها ومجاهرتها بلذاتها ولما مرت بالوزير أبي عامر ابن عبدوس وامام داره بركة تتولد عن كثرة الأمطار وربما استمدت بشيء مما هنالك من الأقذار وقد نشر أبو عامر كميه ونظر في عطفيه وحشر أعوانه إليه فقالت له .
( أنت الخصيب وهذه مصر ... فتدفقا فكلاكما بحر ) .
فتركته لا يحير حرفا ولا يرد طرفا .
وقال في المغرب بعد ذكره أنها بالغرب كعلية بالشرق إلا ان هذه تزيد بمزية الحسن الفائق وأما الأدب والشعر والنادر وخفة الروح فلم تكن تقصر عنها وكان لها صنعة في الغناء وكان لها مجلس يغشاه أدباء قرطبة وظرفاؤها فيمر فيه من النادر وإنشاد الشعر كثير لما اقتضاه عصرها من مثل ذلك وفيها يقول ابن زيدون .
( بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا ... شوقا إليكم ولا جفت مآقينا ) .
وقال أيضا يخاطب ابن عبدوس لاشتراكه معه في هواها .
( أثرت هزبر الشرى إذ ربض ... ونبهته إذ هذا فاغتمض ) .
( وما زلت تبسط مسترسلا ... إليه يد البغي لما انقبض )