وقلوبنا استحواذا وملأ أبصارنا وأسماعنا مسرة والتذاذا وملنا إلى الدولابين شاكين أزمرا حين سجعت قيان الطير بألحانها وشدت على عيدانها أم ذكرا أيام أيام نعما وطابا وكانا أغصانا رطابا فنفيا عنهما لذيد الهجوع ورجعا النوح وأفاضا الدموع طلبا للرجوع وجلسنا نتذاكر ما في تركيب الدواليب من الأعاجيب ونتناشد ما وصفت به من الأشعار الغالية الأسعار فأفضى بنا الحديث الذي هو شجون إلى ذكر قول الأعمى التطيلي في أسد نحاس يقذف الماء .
( أسد ولو أني ... ) إلخ فقال لي القاضي أبو الحسن علي بن المؤيد C تعالى يتولد من هذا في الدولاب معنى يأخذ بمجامع المسامع ويطرب الرائي والسامع فتأملت ما قاله بعين بصيرتي البصيرة واستمددت مادة غريزتي الغزيرة فظهر لي معنى ملأني أطرابا وأوسعني إعجابا وأطرق كل منا ينظم ما جاش به مد بحره وأنبأه به شيطان فكره فلم يكن إلا كنقرة العصفور الخائف من الناطور حتى كمل ما أردنا من غير أن يقف واحد منا على ما صنعه الآخر فكان الذي قال .
( حبذا ساعة العشية والدولاب ... يهدي إلى النفوس المسره ) .
( أدهم لا يزال يعدو ولكن ... ليس يعدو مكانه قدر ذره ) .
( ذو عيون من القواديس تبكي ... كل عين من فائض الدمع ثره ) .
( فلك دائر يرينا نجوما ... كل نجم يبدي لدينا المجره )