فمن نحن حتى نأبى أن نسمع مثل هذا والله لا نشذ عن السلف الصالح أنشدني ما وقع لك غير متكلف فلم يمدني خاطري إلى غير قولي من شعر أمجن فيه .
( أبطأت عني وإني ... لفي اشتياق شديد ) .
( وفي يدي لك شيء ... قد قام مثل العمود ) .
( لو ذقته مرة لم ... تعد لهذا الصدود ) .
فتبسم الشيخ وقال أما كان في نظمك أطهر من هذا فقلت له ما وفقت لغيره فقال لا بأس عليك فأنشدني غيره ففكرت إلى أن أنشدته قولي .
( ولما وقفت على ربعهم ... تجرعت وجدي بالأجزع ) .
( وأرسل دمعي شرار الدموع ... لنار تأجج في الأضلع ) .
فقال عذولي لما رأى بكائي رفقا على الأدمع فقلت له هذه سنة لمن حفظ العهد في الأربع قال فرأيت الشيخ قد اختلط وجعل يجيء ويذهب ثم أفاق وقال أعد بحق آبائك الكرام فأعدت فأعاد ما كان فيه وجعل يردده فقلت له لو علمت أن هذا يحركك ما أنشدتك إياه فقال وهل حرك مني إلا خيرا وعظة يا بني إن هذه القلوب المخلاة لله كالورق التي جفت وهي مستعدة لهبوب الرياح فإن هب عليها أقل ريح لعب بها كيف شاء وصادف منها طوعه فأعجبني منزعه وتأنست به ولم أر عنده ما يعتاد من هؤلاء المتدينين من الانجماع والانكماش بل ما زال يبسطني ويحدثني بأخبار فيها هزل ويذكر لي من تاريخ بني أمية وملوكها ما أرتاح له ولا اعلم أكثره فلما كثر تأنسي