ثيابا من فضة ونثر كافوره على مسك الثرى بعد أن سحقه ورضه والروض قد ابتسم محياه ووشت بأسرار محاسنه رياه والنسيم قد عانق قامات الأغصان فميلها وغصبها مباسم نورها فقبلها وعندنا مغن قد وقع على تفضيله الإجماع وتغايرت على محاسنه الأبصار والأسماع إن بدا فالشمس طالعة وإن شدا فالورق ساجعة تغازله مقلة سراج قد قصر على وجهه تحديقه وقابله فقلنا البدر قابل عيوقه وهو يغار عليه من النسيم كلما خفق وهب ويستجيش عليه بتلويح بارقه الموشى بالذهب ويديم حرقته وسهده ويبذل في إلطافه طاقته وجهده فتارة يضمنحه بخلوقه وتارة يحليه بعقيقه وآونة يكسوه أثواب شقيقه فلم نزل كذلك حتى نعس طرف المصباح واستيقظ نائم الصباح فصنعت بديها في المجلس وكتبت بها إلى الأعز بن المؤيد C تعالى أصف تلك الليلة التي ارتقعت على أيام الأعياد كارتفاع الرؤوس على الأجياد بل فضلت ليلات الدهر كفضل البدر على النجوم الزهر .
( غبت عني يا ابن المؤيد في وقت ... شهي يلهي المحب المشوقا ) .
( ليلة ظل بدرها يلبس الجدران ... ثوبا مفضضا مرموقا ) .
( وغدا الطل فيه ينثر كافورا ... فيعلو مسك التراب السحيقا ) .
( وتبدى النسيم يعتنق الأغصان ... لما سرى عناقا رفيقا ) .
( بت فيها منادما لصديق ... ظل بين الأنام خلا صدوقا ) .
( هو مثل الهلال وجها صبيحا ... ومثال النسيم ذهنا رقيقا ) .
( وغزال كالبدر وجها وغصن البان ... قدا والخمرة الصرف ريقا ) .
( مظهر للعيون ردفا مهيلا ... وحشا ناحلا وقدا رشيقا ) .
( إن تغنى سمعت داود أو لاح ... تأملت يوسف الصديقا ) وإذا قابل السراج رأينا ... منه بدرا يقابل العيوقا ) .
( وأظن الصباح هام بمرآه ... أبدى قلبا حريقا خفوقا )