الارتياح عن شرب الراح وهو ابن شهيد في قوله .
( ولما تملأ من سكره ... ونام ونامت عيون الحرس ) .
( دنوت إليه على رقبة ... دنو رفيق درى ما التمس ) .
( أدب إليه دبيب الكرى ... وأسمو إليه سمو النفس ) .
( أقبل منه بياض الطلى ... وأرشف منه سواد اللعس ) .
( فبت به ليلتي ناعما ... إلى أن تبسم ثغر الغلس ) .
وقد تناول هذا المعنى ابن أبي ربيعة على عظم قدره وتقدمه فعارض الصهيل بالنهاق وقابل العذب بالزعاق فقال وليته سكت .
( ونفضت عني العين أقبلت مشية الحباب ... وركني خيفة القوم أزور ) وأنا أقسم لو زار جمل محبوبة له لكان ألطف في الزيارة من هذا الأزور الركن المنفض للعيون لكنه إن أساء هنا فقد أحسن في قوله .
( قالت لقد أعييتنا حجة ... فأت إذا ما هجع الساهر ) .
( واسقط علينا كسقوط الندى ... ليلة لا ناه ولا زاجر ) ولله در محمد بن سفر أحد شعرائنا المتأخرين عصرا المتقدمين قدرا حيث نقل السعي إلى محبوبته فقال وليته لم يزل يقول مثل هذا فبمثله ينبغي أن يتكلم ومثله يليق أن يدون .
( وواعدتها والشمس تجنح للنوى ... بزورتها شمسا وبدر الدجى يسري ) .
( فجاءت كما يمشي سنا الصبح في الدجى ... وطورا كما مر النسيم على النهر ) .
( فعطرت الآفاق حولي فأشعرت ... بمقدمها والعرف يشعر بالزهر ) .
( فتابعت بالتقبيل آثار سعيها ... كما يتقصى قارئ أحرف السطر ) .
( فبت بها والليل قد نام والهوى ... تنبه بين الغصن والحقف والبدر ) .
( أعانقها طورا وألثم تارة ... إلى أن دعتنا للنوى راية الفجر ) .
( ففضت عقودا للتعانق بيننا ... فيا ليلة القدر اتركي ساعة النفر ) وهل منكم من قيد بالإحسان فأطلق لسانه الشكر فقال وهو ابن اللبانة .
( بنفسي وأهلي جيرة ما استعنتهم ... على الدهر إلا وانثنيت معانا ) .
( أراشوا جناحي ثم بلوه بالندى ... فلم أستطع من أرضهم طيرانا ) ومن يقول وقد قطع عنه ممدوحه ما كان يعتاده منه من الإحسان فقابل ذلك بقطع مدحه له فبلغه أنه عتبه على ذلك وهو ابن وضاح .
( هل كنت إلا طائرا بثنائكم ... في دوح مجدكم أقوم وأقعد ) .
( إن تسلبوني ريشكم وتقلصوا ... عني ظلالكم فكيف أغرد ) .
وهل منكم شاعر رأى الناس قد ضجوا من سماع تشبيه الثغر بالأقاح وتشبيه الزهر بالنجوم وتشبيه الخدود بالشقائق فتلطف لذلك في أن يأتي به في منزع يصير خلقه في الأسماع جديدا وكليله في الأفكار حديدا فأغرب أحسن إغراب وأعرب عن فهمه بحسن تخيله أنبل إعراب وهو ابن الزقاق .
( وأغيد طاف بالكؤوس ضحى ... وحثها والصباح قد وضحا ) .
( والروض أهدى لنا شقائقه ... وآسه العنبري قد نفحا ) .
( قلنا وأين الأقاح قال لنا ... أودعته ثغر من سقى القدحا ) .
( فظل ساقي المدام يجحد ما ... قال فلما تبسم افتضحا ) .
وقال .
( أديراها على الروض المندى ... وحكم الصبح في الظلماء ماضي ) .
( وكأس الراح تنظر عن حباب ... ينوب لنا عن الحدق المراض ) .
( وما غربت نجوم الأفق لكن ... نقلن من السماء إلى الرياض ) وقال .
( ورياض من الشقائق أضحت ... يتهادى بها نسيم الرياح ) .
( زرتها والغمام يجلد منها ... زهرات تروق لون الراح ) .
( قلت ما ذنبها فقال مجيبا ... سرقت حمرة الخدود الملاح ) .
فانظر كيف زاحم بهذا الاختيال المخترعين وكيف سابق بهذا اللفظ المبتدعين وهل منكم من برع في أوصاف الرياض والمياه وما يتعلق بذلك فانتهى إلى راية السباق وفضح كل من طمع بعده في اللحاق وهو أبو إسحاق ابن خفاجة القائل .
( وعشي أنس أضجعتنا نشوة ... فيها يمهد مضجعي ويدمث ) .
( خلعت علي بها الأراكة ظلها ... والغصن يصغي والحمام يحدث ) .
( والشمس تجنح للغروب مريضة ... والرعد يرقي والغمامة تنفث ) .
والقائل .
( لله نهر سال في بطحاء ... أشهى ورودا من لمى الحسناء ) .
( متعطف مثل السوار كأنه ... والزهر يكنفه مجر سماء ) .
( قد رق حتى ظن قرصا مفرغا ... من فضة في بردة خضراء ) .
( وغدت تحف به الغصون كأنها ... هدب تحف بمقلة زرقاء ) .
( ولطالمها عاطيت فيه مدامة ... صفراء تخضب أيدي الندماء ) .
( والريح تعبث بالغصون وقد جرى ... ذهب الأصيل على لجين الماء ) .
والقائل .
( حث المدامة والنسيم عليل ... والظل خفاق الرواق ظليل ) .
( والروض مهتز المعاطف نعمة ... نشوان تعطفه الصبا فيميل ) .
( ريان فضضه الندى ثم انجلى ... عنه فذهب صفحتيه أصيل ) والقائل .
( أذن الغمام بديمة وعقار ... فامزج لجينا منهما بنضار ) .
( واربع على حكم الربيع بأجرع ... هزج الندامى مفصح الأطيار ) .
( متقسم الألحاظ بين محاسن ... من ردف رابية وخصر قرار ) .
( نثرت بحجر الروض فيه يد الصبا ... درر الندى ودراهم الأنوار ) .
( وهفت بتغريد هنالك أيكة ... خفاقة بمهب ريح عرار ) .
( هزت له أعطافها ولربما ... خلعت عليه ملاءة النوار )