إن أراد المنصور أمليت على كتاب دولته كتابا أرفع منه وأجل لا أورد فيه خبرا مما أورده أبو علي فأذن له المنصور في ذلك وجلس بجامع مدينة الزاهرة يملي كتابه المترجم ب الفصوص فلما أكمله تتبعه أدباء الوقت فلم تمر فيه كلمة صحيحة عندهم ولا خبر ثبت لديهم وسألوا المنصور في تجليد كراريس بياض تزال جدتها حتى توهم القدم وترجم عليه كتاب النكت تأليف أبي الغوث الصنعاني فترامى إليه صاعد حين رآه وجعل يقبله وقال إي والله قرأته بالبلد الفلاني على الشيخ أبي فلان فأخذه المنصور من يده خوفا أن يفتحه وقال له إن كنت قد قرأته كما تزعم فعلام يحتوي فقال وأبيك لقد بعد عهدي به ولا أحفظ الآن منه شيئا ولكنه يحتوي على لغة منثورة لا يشوبها شعر ولا خبر فقال له المنصور أبعد الله مثلك ! فما رأيت أكذب منك وأمر بإخراجه وأن يقذف كتاب الفصوص في النهر فقال فيه بعض الشعراء .
( قد غاص في النهر كتاب الفصوص ... وهكذا كل ثقيل يغوص ) .
فأجابه صاعد .
( عاد إلى معدنه إنما ... توجد في قعر البحار الفصوص ) .
قال ابن بسام وما أظن أحدا يجترئ على مثل هذا وإنما صاعد اشترط أن لا يأتي إلا بالغريب غير المشهور وأعانهم على نفسه بما كان يتنفق به من الكذب .
وحكى ابن خلكان أن المنصور أثابه على كتاب الفصوص بخمسة