قدموه وعليه زي المغاربة فلما رآه تيمورلنك قال ما أنت من هذه البلاد وتكلم معه فخلبه ابن خلدون بلسانه وكان آية الله الباهرة ثم قال لتيمورلنك إني ألفت كتابا في تاريخ العالم ثم قال له تيمورلنك كيف ساغ لك أن تذكرني فيه وتذكر بختنضر مع أننا خربنا العالم فقال له ابن خلدون أفعالكما العظيمة ألحقتكما بالذكر مع ذوي المراتب الجسيمة أو نحو هذا من العبارات فأعجبه ذلك وقيل إنه لما أنس بابن خلدون قال له يا خوند ما أسفي إلا على كتاب ألفته في التاريخ وأنفقت فيه أيام عمري وقد تركته بمصر وإن عمري الماضي ذهب ضياعا حيث لم يكن في خدمتك وتحت ظل دولتك والآن أذهب فآتي بهذا الكتاب وأرجع سريعا حتى أموت في خدمتك ونحو هذا من الكلام فأذن له فذهب ولم يعد إليه وقال بعض العلماء إنه لم ينج من يد ذلك الجبار أحد من العلماء غير ابن خلدون ورجل آخر وقد ذكر ذلك ابن عرب شاه في عجائب المقدور وقد طال عهدي به فليراجع وحكى غير واحد أن تيمورلنك لما أخذ حلب على الوجه المشهور في كتب التاريخ جمع العلماء فقال لهم على عادته في التعنت قتل منا ومنكم جماعة فمن الذي في الجنة قتلانا أو قتلاكم وكان مراده إبراز سبب لقتلهم لأنهم إن قالوا أحد الأمرين هلكوا فقال بعض العلماء وأظنه ابن الشحنة دعوني أجبه وإلا هلكتم فتركوه فقال له يا خوند هذا السؤال أجاب عنه رسول الله حين سئل عنه فغضب [ تيمورلنك ] وقال كيف يمكن أن يجيب عن هذا السؤال رسول الله ونحن لم نكن في زمانه أو كلاما هذا معناه فقال العالم المذكور روينا في الصحيح " أن النبي سئل عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل ليذكر ويرى مكانه فمن الذي في الجنة فقال النبي من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو الذي في الجنة " أو كما قال فتعجب تيمورلنك من هذا الجواب المفحم المسكت وحق له أن يتعجب منه فإن هذا من الأجوبة التي يقل نظيرها وفيها المخلص على كل حال بالإنصاف وقد وفق الله تعالى هذا العالم لهذا الجواب حتى يتخلص على يده أولئك الأقوام من الطاغية الجبار العنيد الذي جعل الله تعالى فتنته في الإسلام وفتنة جنكزخان وأولاده من أعظم الفتن التي وهى بها المسلمون وذكر بعض العلماء أن ابن خلدون لما أقبل على تيمورلنك قال له دعني أقبل يدك فقال ولم فقال له لأنها مفاتيح الأقاليم يشير إلى أنه فتح خمسة أقاليم وأصابع يده خمس فلكل أصبع إقليم وهذا أيضا من دهاء ابن خلدون وقد كدنا نخرج عن المقصود في هذه الترجمة فلنصرف العنان والله سبحانه المستعان ومن الراحلين من الأندلس الإمام الحافظ أبو بكر بن عطية C تعالى ! قال الفتح شيخ العلم وحامل لوائه وحافظ حديث النبي وكوكب سمائه شرح الله تعالى لحفظه صدره وطاول به عمره مع كونه في كل علم وافر النصيب مياسرا بالمعلى والرقيب رحل إلى المشرق لأداء الفرض لابس برد من العمر الغض فروى وقيد