أبوها آتياً إلى أهله وكان شديد الغَيْرة فمر بكاهنة في طريقه فقالت له يُرَحّلُ جَمَلُكَ ليلاً وحلَبة أهلك تحتلب قيلاً وكان ثمَّ حدث .
فأقبل لا يلوي ودخل الحيّ ليلاً فبدأ بامرأته فوجدها مع عياله مقبلة على ما يصلحها فخرج إلى خباء ابنته فاستقبلته خادمها .
فقال لها : ثكلتك أمك أين الفارعة قالت : خرجت تمشي مع فتيات الحيّ لعيادة بعضهنّ وهي عائدة الساعة .
فانتقل عنها إلى امرأته ما يشك أنها مريبة فقالت له : إني لأعرف الشرّ في وجهك فلا تعجلْ واقفُ تَرَ ( لا ناقَةَ لي فيما تَكْرَهُ ولا جَمَل ) فسار قولها مثلاً .
ثم رجع إلى خباء ابنته لخادمها : والله لا ينجيك مني إلا الصدق وسلّ سيفه فصدقته الخبر .
قال : فأين أخذا قالت : هذا الوَجْه .
فأتْبَعَهُما فلما صار منهما غير بعيد وجد الجملُ ريح مولاه فتزحزح .
فقال العذري : أما ترين الجمل وحاله فقالت : ما كان يصنع هذا إلا إذا رأى مولاه أو كان قريباً منه .
وجعل الجمل يريد ينبعث وهو معقول فلا يقدر على القيام .
فقالت الفارعة : لقد أوجست أمراً أو آنست ذعراً أو رأيت شرّاً فليته غاب دهرا .
فسمعها أبوها فقال : قد غبتُ دهراً فحلبت شراً وأتيت نُكراً .
ثم انتضى سيفه ففلق به هامة شبث وقتل الجارية وانصرف بجمله وهو يقول : .
( لا تأْمَنَنَّ بعْدِيَ الجَوَارِيَا ... عُوناً من النِّسَاءِ أَوْ عذارِيَا ) .
أَخافها والعارَ والمسَاوِيا ... ) .
وقال الراعي : .
( وما هَجَرْتُكِ حتَّى قُلْتِ مُعْلِنَةً ... لا نَاقَةٌ ليَ في هذا ولا جَمَلُ )