باب الانتفاع بالصدق والمخافة من عاقبة الكذب .
قال أبو عبيد : من أمثالهم فيما يخاف من مغبّة الكذب قولهم " ليْسَ لِمَكْذُوبٍ رَأيٌ " وكان المفضل بن محمد الضبي فيما بلغني عنه يُحَدث أن صاحب هذا المثل هو العنبر بن عمرو بن تميم بن مر قاله لابنته الهيجُمانة . وذلك ان عبد شمس ابن سغد بن زيد مناة بن تميم كان يزورها فنهاه قومها عن ذلك فأبى حتى وقعت الحرب بين قومه وقومها فأغار عليهم عبد شمس في جيشه فعلمت به الهيجمانة فأخبرت أباها وقد كانوا يعرفون إعجاب الهيجمانة به كإعجابه بها . فلما وقالت هذه المقالة لأبيها قال مازن بن مالك بن عمرو بن تميم " حَنّتْفلا تَهَنَّتْ وأنَّى وَأنَّي لَكِ مَقْرُوع " وهو عبد شمس بن سعد كان يلقب به - فقال لها أبوها عند ذلك : أي بنية أصدقيني أكذلك هو فإنه لا رأي لمكذوب فقالت : " ثَكِلْتُكَ إن لَمْ أَكُنْ صَدَقْتُكَ فَاْنجُ وَلا إخَالُك نَاجِياً " فذهبت كلمته وكلمتها وكلمة مازن أمثالاً .
قال أبو عبيد : ومن أمثالهم فيما يخاف من غب الكذب قولهم : " لا يَكْذِبُ الرَّائِدُ أَهْلَهُ " وهو الذي يُقَدمونه ليرتاد لهم كلأ أو منزلاً أو موضع حرز يلجأون إليه من عدو يطلبهم فإن كذبهم أو غرّهم صار تدبيرهم عى خلاف الصواب فكانت فيه هلكتهم .
قال أبو عبيد : ومثل العامة في هذا قولهم " الكَذِبُ دَاءٌ والصِّدْقُ شِفاءٌ " وذلك ان المصدوق يعمل على تقدير يكون فيه مصيباً وأن المكذوب على ضدّ ذلك