والهمم المستقيمة والشؤون السنية ومن لا يجوز أن يشغل زمانه بما همته مصروفة إلى مطالعة غيره .
وأما الإطناب فإنه يصلح للمكاتبات الصادرة في الفتوحات ونحوها مما يقرأ في المحافل والعهود السلطانية ومخاطبة من لا يصل المعنى إلى فهمه بأدنى إشارة .
وعلى ذلك يحمل ما كتبه المهلب بن أبي صفرة إلى الحجاج في فتح الأزارقة من الخوارج والظهور عليهم على ارتفاع خطر هذا الفتح وطول زمانه وبعد صيته فإنه كتب فيه الحمد لله الذي كفى بالإسلام قصد ما سواه وجعل الحمد متصلا بنعماه وقضى ألا ينقطع المزيد وحيله حتى ينقطع الشكر من خلفه ثم إنا كنا وعدونا على حالتين مختلفتين نرى منهم ما يسرنا أكثر مما يسرهم ويرون منا ما يسوءهم أكثر مما بسرهم فلم يزل ذلك دأبنا ودأبهم ينصرنا الله ويخذلهم ويمحصنا ويمحقهم حتى بلغ الكتاب بناديهم أجله ( فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ) .
فإن الذي حمله على الاختصار في هذا الكتاب إنما هو كونه إلى السلطان الذي من شأنه اختصار المكاتبات التي تكتب إليه بخلاف ما لو كتب به عن السلطان إلى غيره فإنه يتعين فيه بسط القول وإطالته على ما سيأتي ذكره في أول المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى .
وأما مساواة اللفظ للمعنى فإنه يصلح لمخاطبة الأكفاء والنظراء والطبقة الوسطى من الرؤساء .
فكما أن هذه المرتبة متوسطة بين طرفي الإيجاز والإطناب كذلك يجب أن تخص بها الطبقة الوسطى من الناس .
قال أما لو استعمل كاتب ترديد الألفاظ ومرادفتها على المعنى في المكاتبة إلى ملك مصروف الهمة إلى أمور كثيرة متى انصرف منها إلى غيرها دخلها الخلل لرتب كلامه في غير رتبه ودل على جهله بالصناعة .
وكذا لو بنى على الإيجاز كتابا يكتبه في فتح جليل الخطر حسن الأثر يقرأ في المحافل والمساجد الجامعة على رؤوس الأشهاد من العامة