ومن عادة الإنسان إذا تعاطى بابا من هذه الأبواب أن يسبق خاطره إلى الألفاظ المتعلقة به فيوقعها في الكتب التي ينشئها لغلبة عادة استعماله إياها فيهجنها بإدخاله فيها ما ليس من أنواعها .
قال في الصناعتين وتخير الألفاظ وإبدال بعضها من بعض يوجب التئام الكلام وهو من أحسن نعوته وأزين صفاته فإن أمكن مع ذلك انتظامه من حروف سهلة المخارج كان أحسن له وأدعى للقلوب إليه وإن اتفق له أن يكون موقعه في الإطناب أو الإيجاز أليق بموقعه وأحق بالمقام والحال كان جامعا للحسن بارعا في الفضل فإن بلغ مع ذلك أن تكون موارده تنبيك عن مصادره وأوله يكشف قناع آخره كان قد جمع نهاية الحسن وبلغ أعلى مراتب التمام .
قال في مواد البيان وإذا سلكت طريقا فمر فيها ولا تتنازل عنها إن كانت رفيعة ولا ترتفع عنها إن كانت وضيعة .
وخالف ابن أبي الأصبع فقال ولا تجعل كل الكلام شريفا عاليا ولا وضيعا نازلا بل فصله تفصيل العقود فإن العقد إذا كان كله نفيسا لا يظهر حسن فرائده ولا يبين جمال واسطته فإن الكلام إذا كان متنوعا في البلاغة أفتنت الأسماع فيه ولا يلحق النفوس ملل من ألفاظه ومعانيه ولا يخرج عن عرض إلى غيره حتى يكمل كل ما ينتظم فيه كما إذا كان ينشيء كتابا في العذل والتوبيخ فيشوب ألفاظه بألفاظ أخرى تخرج عن الخشونة إلى اللين فإن اختلاف رقعة الكلام من أشد عيوبه .
قال في الصناعتين ولا تجعل لفظك حوشيا بدويا ولا مبتذلا سوقيا ورتب الألفاظ ترتيبا صحيحا فتقدم منها ما يحسن تقديمه وتؤخر منها ما يحسن تأخيره ولا تقدم منها ما يكون التأخير به أحسن ولا تؤخر ما كان التقديم به أليق ولا تكرر الكلمة الواحدة في كلام قصير كما كتب سعيد بن حميد ومثل خادمك بين يديه ما يملك فلم يجد شيئا يفي بحقك ورأى أن تقريظك بما يبلغه اللسان وإن كان مقصرا عن حقك أبلغ في أداء ما يجب لك .
فكرر ذكر الحق مرتين في مقدار يسير .
على أن أبا جعفر النحاس قد ذكر في صناعة الكتاب أن