الري وتنال أربك من المنفعة فإذا أكثرت عليها نضب ماؤها فقل عنك غناؤها .
وينبغي أن تخرج مع الكلام معارضه فإذا مررت بلفظ حسن أخذت برقبته أو معنى بديع تعلقت بذيله .
وتحرز أن يسبقك فإنه إن سبقك تعبت في تطلبه ولعلك لا تلحقه على طول الطلب ومواصلة الدأب وهذا الشاعر يقول .
( إذا ضيعت أول كل شيء ... أبت أعجازه إلا التواء ) .
وقد قالوا ينبغي لصانع الكلام ألا يتقدم الكلام تقدما ولا يتتبع ذناباه تتبعا ولا يحمله على لسانه حملا فإنه إن تقدم الكلام لم يتبعه خفيفه وهزيله وأعجفه والشارد منه وإن تتبعه فاتته سوابقه ولواحقه وتباعدت عنه جياده وغرره وإن حمله على لسانه ثقلت عليه أوساقه وأعباؤه ودخلت مساويه في محاسنه ولكنه يجري معه فلا تند عنه نادة تعجبه سمنا إلا كبحها ولا تتخلف عنه مثقلة هزيلة إلا أرهقها وطورا يفرقه ليختار أحسنه وطورا يجمعه ليقرب عليه خطوة الفكر ويتناوله من تحت لسانه ولا يسلط الملل على قلبه ولا الإكثار على فكره فيأخذ عفوه ويستغزر دره ولا يكره آبيا ولا يدفع آتيا .
وإياك والتعقيد والتوعر فإن التوعر هو الذي يستهلك معانيك ويشين ألفاظك ومن أراغ معنى كريما فليلتمس له لفظا كريما فإن حق المعنى الشريف اللفظ الشريف ومن حقهما أن يصونهما عما يدنسهما ويفسدهما ويهجنهما فتصير بهما إلى حد تكون فيه أسوأ حالا منك قبل أن تلتمس البلاغة وترتهن نفسك في ملابستها وليكن لفظك شريفا عذبا فخما سهلا ومعناه ظاهرا مكشوفا وقريبا معروفا فإن وجدت اللفظة لم تقع موقعها ولم تصل إلى مركزها ولم تتصل بشكلها وكانت قلقة في موضعها نافرة عن مكانها فلا تكرهها على اغتصاب أماكنها والنزول في غير أوطانها وإن بليت بتكلف القول وتعاطي الصناعة ولم تسمح