وصعب الأمر عليهم في تأليفه ونظمه فقد حكي أن الخليل بن أحمد مع تقدمه في اللغة ومهارته في العربية واختراعه علم العروض الذي هو ميزان شعر العرب لم يكن يتهيأ له تأليف الألفاظ السهلة لديه الحاصلة المعاني في نفسه على صورة النظم إلا بصعوبة ومشقة وكان إذا سئل عن سبب إعراضه عن نظم الشعر يقول يأباني جيده وآبى رديئه مشيرا بذلك إلى أن طبعه غير مساعد له على التأليف المرضي الذي تحسن نسبته إلى مثله .
وقيل للمفضل الضبي ألا تقول الشعر وأنت أعلم الناس به فقال علمي به يمنعني من قوله وأنشد .
( أبى الشعر إلا أن يفيء رديئه ... علي ويأبى منه ما كان محكما ) .
( فيا ليتني إن لم أجد حوك وشيه ... ولم أك من فرسانه كنت مفحما ) .
وأنشد أبو عبيدة خلفا الأحمر شعرا له فقال اخبأ هذا كما تخبأ السنورة حاجتها مع ما كان عليه أبو عبيدة من العلم باللغة وشعر العرب وأمثالها وأيام حروبها وما يجري مجرى ذلك من مواد تأليف الكلام ونظمه .
ويحكى عن أبي العباس المبرد أنه قال لا أحتاج إلى وصف نفسي لأن الناس يعلمون أنه ليس أحد بين الخافقين تختلج في نفسه مسألة مشكلة إلا لقيني بها وأعدني لها فأنا عالم ومعلم وحافظ ودارس ولا يخفى علي مشتبه من الشعر والنحو والكلام المنثور والخطب والرسائل ولربما احتجت إلى اعتذار من فلتة أو التماس حاجة فأجعل المعنى الذي أقصد نصب عيني ثم لا أجد سبيلا إلى التعبير عنه بيد