( يا فوز يا منية عباس ... قلبي يفدي قلبك القاسي ) .
( أسأت إذ أحسنت ظني بكم ... والحزم سوء الظن بالناس ) .
( يقلقني شوقي فآتيكم ... والقلب مملوء من الياس ) .
وهل أعذب من هذه الأبيات وأعلق بالخاطر وأسرى في السمع ولمثلها تسهر راقدات الأجفان وعن مثلها تتأخر السوابق عند الرهان ومن الذي يستطيع أن يسلك هذه الطريق التي هي سهلة وعرة قريبة بعيدة .
وقد كان أبو العتاهية أيضا في غرة الدولة العباسية وشعر العرب إذ ذاك موجود كثيرا وإذا تأملت شعره وجدته كالماء الجاري رقة ألفاظ ولطافة سبك وليس بركيك ولا واه وانظر إلى قصيدته التي يمدح بها المهدي ويشبب بجاريته عتب وهي .
( ألا ما لسيدتي مالها ... تدل فأحمل إدلالها ) .
( ألا إن جارية للإمام ... قد أسكن الحسن سربالها ) .
( لقد أتعب الله قلبي بها ... وأتعب في اللوم عذالها ) .
( كأن بعيني في حيث ما ... سلكت من الأرض تمثالها ) .
فلما وصل إلى المديح قال من جملته .
( أتته الخلافة منقادة ... إليه تجرر أذيالها ) .
( فلم تك تصلح إلا له ... ولم يك يصلح إلا لها ) .
( ولو رامها أحد غيره ... لزلزلت الرض زلزالها ) .
( ولو لم تطعه نيات القلوب ... لما قبل الله أعمالها ) .
فهذه الأبيات من أرق الشعر غزلا ومديحا وقد أذعن لمديحها الشعراء من أهل العصر وهي على ما ترى من السلاسة واللطافة على أقصى الغايات حتى قال بشار عند سماع المهدي لها من أبي العتاهية انظروا إلى أمير المؤمنين هل طار عن أعواده يريد هل زال عن سريره طربا بهذا المديح .
وعلى هذا الأسلوب كان أبو نواس في السهولة والسلاسة والرقة ولذلك قدم على شعراء عصره مع ما فيه من فحول الشعراء ومفلقيهم كمسلم بن الوليد وغيره وذلك لرقة شعره