وصرت إلى الديوان فوجدت قوما قد حفهم الحسن وزانهم الإحسان فقلت الحمد لله هؤلاء فتية ذاك الكهف بلا امتراء وأشبال ذاك الأسد من غير افتراء فجلست جلوس الغريب وأطرقت إطراق الكئيب إذ كنت في هذه الصنعة عصاميا لا عظاميا ومتهما لا تهاميا غير أني تعلقت منها بحبال القمر واستوقدت نارها من أصغر الشرر فتلقوني بالرحب وأحلوني من ديوانهم بالمكان الرحب وقابلوني بالجميل قبل المعرفة وعاملوني بالإحسان والنصفة .
فلما رأيت ذلك منهم حمدت مسراي وشكرت مسعاي ودعوت لصاحبي أولا إذ حبب صنعتهم إلي وشاقني ودلني عليهم وساقني .
ولما تحققت أني قد أثبت في ديوانه وكتبت من جملة غلمانه رجعت القهقرى عن طلب الكسب واستوى عندي المحل والخصب واكتفيت بنظري إليه عن الطعام والشراب وتيقنت أن نظرة منه إلي ترقيني إلى السحاب وتلوت بلسان الصدق على الملإ وهم يسمعون ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) .
وفيما تضمنته هذه المقامة من فضل الكتابة وشرف الكتاب مقنع من غيرها ومغن عن سواها والحمد لله والمنة .
وهذه نسخة مقامة أنشأها أبو القاسم الخوارزمي في لقائه لأديب يعرف بالهيتي وانقطاعه في البحث وغلبة الخوارزمي له .
أوردها ابن حمدون في تذكرته وهي .
وصية لكل لبيب متيقظ أريب عالم أديب يكره مواقف السقطات