وبالتعلق بحبالها بقاءها ودوامها إذ كانا قطبين عليهما مدار فلكها ونقطتين عنهما ينشأ الخط المستقيم في تدبير ملكها وزعيمين يترافع إليهما عند التخاصم وحكمين يرجع إلى حكمهما عند التحاكم إلا أنهما لا يستقلان عند التحالف ولا يقوم أحدهما برأسه لدى التخالف بل لهما إمام يرجعان إليه ويعولان عند اضطراب الأمور عليه وهو الرأي الذي لا يقطع أمر دون حكمه ولا يهتدي سار في مهامه المهمات إلا بنجمه إذ كان على الشجاعة مقدما ودليله من المعقول والمنقول مسلما والمتسم به لا يزال عند الملوك مبجلا معظما لا يقدمون عليه ولدا ولا والدا ولا يؤثرون على معاضدته عضدا ولا ساعدا إن أشار برأي تمسك الملك منه بالحبل المتين أو محضه كلام نصح قال ( إنك اليوم لدينا مكين أمين ) .
ولما كان الجناب العالي الأميري الكبيري إلى آخر ألقابه يوسف الناصري ضاعف الله تعالى نعمته هو الذي حنكته التجارب وحلب الدهر أشطره وعرف بتقليب الأمور على ممر الزمان مخبره مع ما اشتمل عليه من الرأي الصائب والفكر الذي إذا أبدت قريحته في الارتياء عجبا أتت فطرته السليمة بالعجائب .
هذا وقد علا في الدولة القاهرة مقامه ورشقت أغراض مقاصدها بانقضاء الآجال في الوقائع سهامه وساس العساكر فأحسن في سياستها التدبير وبذل في نفقاتها الأموال فمال فيها إلى الإسراف دون التقتير واستجلب الخواطر فأخذ منها بمجامع القلوب واقتاد النفوس الأبية قهرا فأطاعه من بين الشمال والجنوب وقام من المهمات الشريفة بما لم يسبقه إليه سابق وأتى من خوارق العادات في التنفيذ بما لم يلحقه فيه لاحق وبادر إلى ترتيب المصالح فرتبها ولم يعقه في انتهاز الفرصة عن دفع المفاسد عائق وأخذ في حط الأسعار فورد منهلا من المعروف صافيا وأمر بإبطال المعاملين فكان له عملا على توالي