واعلم أن ريح النصر قد تهب للكافرين على المسلمين فلا يكن ذلك قادحا منك في الدين فإن الله تعالى يستدرج بسنة الباطل لا بسنة الإظفار ويريهم الإقدار في مخايل الأقدار حتى إذا فرحوا بما أوتوا أوردتهم كواذب أمانيهم موارد الهلكة وأخذوا بغتة ودالت دولة الحق لأوليائها مرفوعة الأعلام آخذة بنواصي العداة والأقدام وتحقق أن الأمور بخواتيمها والأعمال بتمامها وأنه ولي المؤمنين .
ما جمع موقف فئتي شك ويقين وكفر ودين إلا كان الفلج والنصر لأهل التقى والدين والخسارة والبوار على الشاكين الكافرين تصديقا لوعده تعالى إذ يقول ( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون ) .
وتحفظ بنفسك ولا تلقها في المهالك متهورا ولا ترم بها في المتالف مخاطرا ولا تساعدها على مطاوعة الحمية والنخوة وتحرز قبل السقطة والهفوة فإنك وإن كنت واحدا من الجيش أوحدهم الذين يتبادرون إليه ويعتمدون في السياسة عليه وما دمت محفوظا ملحوظا فالهيبة عالية والعين سامية وإن ألم بك والله يعصمك خطب أو نالك والله يكفيك ريب توجه الخلل وأرهف حد الوهن والشلل .
وإن دعتك نفسك إلى الجهاد وحملك تصرفك على الكفاح والجلاد فليكن ذلك عند الإحجام وتزلزل الأقدام فإن ذلك يشحذ عزائم المسلمين ويقوي شكائم المتأخرين غير مضيع للحذر في الورد والصدر وكذلك فاحرس أماثل القواد ووجوه الأجناد الذين تشفى صدور الكفار بمصارعهم وتنقع غللهم بمضايعهم وحام عنهم حماية الجفون عن المقل وصنهم صيانة الصوارم من الخلل ودافع عن كافة جند المسلمين المرتزقين والمتطوعين فإن الله تعالى قد كافى بين دمائهم وسوى بين ضعفائهم