بالقاهرة المحروسة التي هي عمدة الإيمان والإسلام ودار هجرة الإمام ومعقل الخلافة منذ غابر الأيام وأطلق يده في رب جميع الأعمال وتأمينها من بوائق الأوجال فبث بالحضرة وبالأعمال من مهابته ما شرد الأوغار وسهل الأمصار ومحق الضلال وأذاقهم النكال فعم السكون والأمنة واستولت على الأعمال السياسة المستحسنة فحادت بنضرة الأيام وصلاح الوجود واغتبطوا من تدبيره بصعود الجدود ورتعوا من عنايته في عيش يضاهي عيش جنان الخلود فالبلاغات بأسرها لا تقوم بمدح ما أوتي من الفضائل ولا يوازي مجموعها منقبة من مناقبه التي أربى بها على الملوك الأواخر والأوائل والخصائص الملوكية بجملتها فيه جبلة وفطرة وإذا قيست نادرة من نوادر فضله بما تفرق في جميع الملوك كانت فضائله بمنزلة البحر ومجموع فضائل الملوك بمنزلة القطرة وقد طرز فضائله البديعة وخلاله السامية الرفيعة من موالاة أمير المؤمنين ومناصحة دولته بما تكفل بسعادة الدنيا والآخرة ونهايات مغانم الثواب الشريفة الفاخرة فليله ونهاره مصروفان إلى المجاهدة عن دولة أمير المؤمنين التي هي دولة التوحيد والمخلص فيها معرض لكل مقام سعيد فمحاسنه ترتفع عن قدر التقريظ والمديح ولا تقابل إلا بموالاة التسبيح .
ولما أحمد أمير المؤمنين أثرهما في خدمته وشكر قصدهما في دولته وكان السيد الأجل قد بلغ إربه في الخلال وحل المحل الذي لا تتعاطاه جوامح الآمال وقدره يشرف عن كل تكريم وموضعه يتميز عن كل من جسيم ومنزلته تسمو عن كل تعظيم فأوصى أمير المؤمنين السيد الأجل أن يقرر له جميع خدمه ويسبغ عليه في المستأنف أضفى نعمه فإن محله يرتفع عن محل الخدم الجليلة ويسمو عن كل تصرف يسمه في الدولة بسمة جميلة ورأى أمير المؤمنين والسيد الأجل أن يعلن بإسناد النيابة عن والده في أمور المملكة إليه ويشهر أن ذلك معول فيه عليه ليخفف عن السيد الأجل أمير الجيوش أمر أثقالها