كان لله طائعا ومن الله خائفا وإلى الله راغبا وذي النورين المعول عليه من بين سائر أصحاب الشورى تنويها بقدره والمخصوص بالاختيار تفخيما لأمره من حصر في بيته فلم يمنعه ذلك عن تلاوة كتاب الله وذكره وشاهد سيوف قاتليه عيانا فقابل فتكاتها بجميل صبره وأبي الحسن الذي أعرض عن الخلافة حين سئلها واستعفى منها بعد ما اضطر إليها وقبلها وكشف له عن حقيقة الدنيا فما أم قبلتها بقلبه ولا ولى وجهه قبلها وصرح بمقاطعتها بقوله يا صفراء غري غيري يا بيضاء غري غيري لما وصلها من وصلها وسائر الخلفاء الراشدين بعدهم الناهجين نهجهم والواردين وردهم .
أما بعد فإن للإمامة شروطا يجب اعتبارها في الإمام ولوازم لا يغتفر فواتها في الابتداء ولا في الدوام وأوصافا يتعين إعمالها وآدابا لا يسع إهمالها من أهمها العدالة التي ملاكها التقوى وأساسها مراقبة الله تعالى في السر والنجوى وبها تقع الهيبة لصاحبها فيجل وتميل النفوس إليها فلا تمل فهي الملكة الداعية إلى ترك الكبائر واجتنابها والزاجرة عن الإصرار على الصغائر وارتكابها والباعثة على مخالفة النفس ونهيها عن الشهوات والصارفة عن انتهاك حرمات الله التي هي أعظم الحرمات والموجبة للتعفف عن المحارم والحاملة على تجنب الظلامات ورد المظالم والشجاعة التي بها حماية البيضة والذب عنها والاستظهار بالغزو على نكاية الطائفة الكافرة والغض منها والقوة بالشوكة على تنفيذ الأوامر وإمضائها وإقامة الحدود واستيفائها ونشر كلمة الحق وإعلائها ودحض كلمة الباطل وإخفائها وقطع مادة الفساد وحسم أدوائها والرأي المؤدي إلى السياسة وحسن التدبير والمغني في كثير من الأماكن عن مزيد الجد والتشمير والمعين في خدع الحرب ومكايده والمسعف في مصادر كل أمر وموارده .
هذا وقد جعلنا الله أمة وسطا ووعظنا بمن سلف من الأمم ممن تمرد وعتا أو تجبر وسطا وعصم أمتنا أن تجتمع على الضلال وصان جمعنا عن الخطل في الفعال والمقال وندبنا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسوغ