إحسانه حتى صارت ضربة لازب فلا يخلو مجلس من إظهار تغير عادة وطد الجود أساسها وانتقاض قاعدة أبرم الكرم أمراسها فينقطع سلوكا للأدب وتخفيفا عن الخواطر ويتلقى ما يصدر بقلب شاك ولسان شاكر فإن كان قد عزم مولاه على طرده وعوضه عن منحة القرب المحنة ببعده فإنه يأبى ذلك جوده ولطفه ومعرفة يشكر ويزيد لا يمكن صرفه ولو جاز الصرف لمجرد بالعبودية لمنعه العدل من سيده والحلم الذي عرف من كريم محتده فكان المملوك يستحسن في حبره وسبره ويعوض عن مقابلته بجبره فقد صار سمينه غثا وشحمه ورما وحديثه رثا وسهله علما - طويل - .
( وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... كما أن عين السخط تبدى المساويا ) .
وما ثم بحمد الله ما يوجب ذلك ولا بعضه ولا يحدث ذم المملوك وبغضه ولو بدا منه زلل أو لمح منه خطل فمكارم مولانا أوسع من إبقاء ذلك في صدور الصدور وأحرى بمحو آيات السيئات فإنه لمن عزم الأمور .
وله يخدم بدعائه وصادق ولائه وينهي أنه انكسر خاطره وأرق جفنه وناظره وتضاعف بلباله وتزايدت في النقص أحواله مذ تأخرت الأمثلة الكرام وانقطعت عنه بانقطاعها المنن الجسام وهو يسأل العفو عن ذنب وقع وتشريفه بمثال يرفع من قدره ما وضع واستعمال الصفح عنه كسائر عاداته وإجراءه على اللطف الذي ألفه من تفضلاته فقد ضعف صبر المملوك وجنانه وتفرق للفراق جفنه وإنسانه وصغر قدره وأهمل جانبه وممن أمر بإهانته فخره ولهذا ضاقت عليه المسالك وكان لسان حاله ينشد في ذلك - كامل - .
( وأهنتني فأهنت نفسي عامدا ... ما من يهون عليك ممن يكرم )