أصدق المقال ما حققه الفعال وأفضل الخبر ما صدقه الأثر .
ومنه لمولانا سيرة في الفضل والإحسان ما أملها آمل إلا جادت وسخت ومنحت وعوائد في العفو ما رجاها راج إلا صفحت وسمحت وأحق من تلقاه عند العثار بالإقالة والاغتفار ووقف به عند حد التقويم والإصلاح ولم يعرضه لنقيصة الإقصاء والاطراح من شفع الهفوة بالاعتذار وخطب التغمد بلسان الإقرار ودلت التجارب منه على حسم الأضرار وكان له من سالف الخدم وسائل وذرائع ومن صحيح الإخلاص ممهد وشافع فلا عجب أن المملوك يهفو فيعفو ويظلم فيكظم ويجهل فيحلم ويخطيء فيصيب ويدعو متنصلا فيجيب وقد جعل الله سهمه المعلى ويده الطولى وألهمه التفضل بالإنعام والتغميض عن زلات الكرام وقد حصل للمملوك في هذه النبوة من إزرائه على عقله وتقبيحه لفعله أعظم تجربة وأكبر مأدبة والمملوك يسأل إحسان سيدي أن يعيده إلى رضاه ولطفه ويؤنس منه مستوحش إقباله وعطفه ويصدق رجاءه فيه ويجزل ثواب وفادته عليه إن شاء الله تعالى .
رقعة المملوك يخطب صفح سيده وإقالته بلسان الاغتفار ويستعيد ما عرف من رضاه وعاطفته بوسائل الاعتذار ليكون المتفضل في كل الحالات والمنعم من كل الجهات وقد عرف السهو النسيان المعترضين للإنسان وأنهما يحولان بينه وبين قلبه ويزوران عليه خطأه في صورة صوابه فيتورط في السقط غير عامد ويتهور في الغلط غير قاصد وقد قال الله تعالى ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ) وما أولى مولانا بأن يحفظ على المملوك جميل آرائه ولا يسلبه ما شمله من ظل آلائه ولا يسمه بميسم العقوق فإنه يجد نفسه بخلاف ذلك في طاعته ومرتبتها بغير هذه الرتبة في خدمته .
فصل وقد آوى سيدي المملوك من ظله وأعلقه من حبله وأسبغ عليه