وقيدت كأنها عاصية تساق بالأصفاد إلى يوم الوعيد فارسل عليها المنجنيق عقابه وأعلق بها ظفره ونابه فكشف من شرفاتها شنب ثغرها وسقاها بأكف أسهمه كؤوس حجارة فتمايلت من شدة سكرها وفض من ابراجها الصناديق المقفلة وفصل من اسوارها الأعضاء المتصلة فتزلزل عمدها وزيل عن مكانه جلمدها وعلت الأيدي المرامية بها وغلت الايدي المحامية عنها واشتد مرضها من حرارة وهج الحصار وضعفت قوتها عن مقاومة تلك الأحجار ولم يبق على سورها من يفتح له جفنا وشن المنجنيق عليها غارته إلى أن صارت شنا فأرسل إليها من سماء غضبه رجوما ووالى ذلك عليها سبع ليال وثمانية أيام حسوما فبادرت إلى الطاعة واستسلمت وكرر نحوها ركوعه فسجدت وركبت الجيوش المنصورة عوض الصافنات اللجج وسمحت في سبيل الله D بالمهج فعند ذلك سارع أهلها إلى التعلق بأسباب الهرب وكان خراب قلعة المينا هذي لخراب قلعتهم من الجرب وأحرقوا كبدها من أيديهم بنار الغضب وانتزحوا منها ليلا وجروا من الهزيمة ذيلا وتسلمها المسلمون وتحسر عليها الحسرة الكبرى الكافرون وهدمت حجرا حجرا وصافحت بجبهتها وجه الثرى وأعدمت من الوجود عينا وأثرا فما أعجب هذا الفتوح وأغرب وما أحلى ذكره في الأفواه وما أعذب وما ألذ حديثه في الأسماع وما أطرب وما أسعد هذا الجيش الناصري وما أنجب بسيط .
( بشراك بشراك هذا النصر والظفر ... هذا الفتوح الذي قد كان ينتظر ) .
( فتح مبين ونصر جل موقعه ... سارت به وله الأملاك والبشر ) .
( عجائب ظهرت في فتحه بهرت ... لم تأت أمثالها الأيام والسير ) .
( لو كان في زمن ماض به نزلت ... في وصف وقعته الآيات والسور )