وظاهره من قبله العذاب ونصبت فوقه من الأسنة ثغور براقة الثنايا ولكنها غير عذاب فعاد ذلك السفح مصفحا بصفاحها مشرقا بأعلام أسنة رماحها فأرسلت إلى أرجائها ما أربى على الغمائم وزاد في نفحه على التمائم طويل .
( وكان بها مثل الجنون فأصبحت ... ومن جثت القتلى عليها تمائم ) .
ونصبت عليها المجانيق فلم ترع حق جنسها وسطت عليها فاصبح غدها في التحامل أبعد من أمسها واستنهضتها العدا فاعلمتهم أنها لا تطيق الدفاع عن غيرها بعد أن عجزت عن نفسها وبسطت أنفها أمارة على الإذعان ورفعت أصابعها إما إجابة أن تذل للتشهد وإما إنابة إلى طلب الأمان فخاف العدا من ظهور هذا الاستظهار وعلموا أن المجانيق فحول لا تثبت لها الإناث التي عريت من النفع بأيديهم فاستعانوا عليهن مع العدا بطول الجدار فعند ذلك غدت تكمن كمون الأساود وتثب وثوب الأسود وتباري بها الحصون السماء فكلما قذفت هذه بكواكبها النيرة قذف هذا بكواكبه السود ولم يكسر لهم منجنيق إلا ونصبوا آخر بمكانه ولا قطعت لأحد إصبع إلا وصل الآخر ببنانه فظلت تتحارب مثل الكماة وتتحامل تحامل الرماة حتى لقحت وفسحت للرضا مجالا ومالت وميل فيها وكذلك الحرب تكون سجالا .
هذا والنقوب قد دبت في باطنه دبيب السقام وتمشت في مفاصله كما تتمشى في مفاصل شاربها المدام وحشت أضالعه نارا تشبه نار الهوى تحرق الأحشاء ولا يبدو لها ضرام قد داخلت مرسلة الوجل فتحققوا حلول الأجل وعلموا أن هذا الفتح الذي تمادت عليه الأيام قد جاء يسعى إلى ما بين يديه على عجل وأيقن الحصن بالانتظام في سلك الممالك الشريفة فكاد يرقصه بمن فيه فرط الجذل وزاد شوقه إلى التشريف ويا صبابة لوسمها واسمها مشتاق لكنهم أظهروا الجلد وأخفوا ضرام نار الجزع وكيف تخفى وقد وقد وتدفقت إليهم الجيوش فملأت الأفق وأحاطت بهم إحاطة الطوق