المثل السائر وسببه أن المعنى ينحصر في مقصد من المقاصد حتى لا يكاد يأتي إلا فذا فمن ذلك قول أبي تمام الطائي من قصيدة .
( تردى ثياب الموت حمرا فما أتى ... بها الليل إلا وهي من سندس خضر ) .
فإن أبا تمام قصد المؤاخاة في ذكر لوني الثياب بين الأحمر والأخضر وجاء ذلك واقعا على المعنى الذي أراده من لون ثياب القتلى وثياب الجنة فإن ثياب القتلى حمر وثياب الجنة خضر .
قال ابن الأثير فإذا فك نظم هذا البيت وأريد صوغه بغير لفظه لم يمكن فيجب على الناثر أن يحسن الصنعة في فك نظامه لأنه يتصدى لنثره بألفاظه فإن كان عنده قوة تصرف وبسطة عبارة فإنه يأتي به حسنا رائقا وقد نثر هذا البيت فقال لم تكسه المنايا نسج شفارها حتى كسته الجنة نسج شعارها فبدل أحمر ثوبه بأخضره وكأس حمامه بكأس كوثره قال وهذا من الحسن على غاية يكون كمدحسودها من جملة شهودها ومن ذلك قول أبي الطيب .
( وكان بها مثل الجنون فأصبحت ... ومن جثث القتلى عليها تمائم ) .
فإن أبا الطيب بنى بيته على واقعة مخصوصة وذلك أن حصنا من حصون سيف الدولة قصده الروم وانتزعوه وخربوه فنهد سيف الدولة إليه واسترجعه وجدد بناءه وهزم الروم ونصب جملة من جثث القتلى على السور فنظم أبو الطيب في هذا قصيدا أوله .
( على قدر أهل العز تأتي العزائم ... ) ولما انتهى إلى ذكر الحصن جاء بهذا البيت في جملة أبيات فشرح صورة الحال في ارتجاع الحصن بالقتال وتعليق القتلى عليه وأبرز ذلك في معنى التمثيل بالجنون والتمائم وهذا لا يمكن تبديل لفظه فيجب على الناثر حسن الصنعة في حله ونثره وقد نثره ابن الأثير أيضا فقال سرى إلى حصن