فإذا لزم المرء الحياء كانت أسباب الخير منه موجودة كما أن الواقح إذا لزم البذاء كان وجود الخير منه معدوما وتواتر الشر منه موجودا لأن الحياء هو الحائل بين المرء وبين المزجورات كلها فبقوة الحياء يضعف ارتكابه إياها وبضعف الحياء تقوى مباشرته إياها ولقد أحسن الذي يقول ... ورب قبيحة ما حال بيني ... وبين ركوبها إلا الحياء ... فكان هو الدواء لها ولكن ... إذا ذهب الحياء فلا دواء ... .
وأنبأنا محمد بن المنذر بن سعيد حدثنا عمر بن شبة حدثنا عبد الأعلى ابن عبد الأعلى حدثنا هشام عن محمد عن كثير بن افلح عن زيد بن ثابت قال من لا يستحي من الناس لا يستحي من الله .
قال أبو حاتم رضى الله عنه الواجب على العاقل أن يعود نفسه لزوم الحياء من الناس وإن من أعظم بركته تعويد النفس ركوب الخصال المحمودة ومجانبتها الخلال المذمومه كما أن من أعظم بركة الحياء من الله الفوز من النار بلزوم الحياء عند مجانبة ما نهى الله عنه لأن ابن آدم مطبوع على الكرم واللؤم معا في المعاملة بينه وبين الله والعشرة بينه وبين المخلوقين وإذا قوى حياؤه قوى كرمه وضعف لؤمه وإذا ضعف حياؤه قوى لؤمه وضعف كرمه ولقد أنشدني على بن محمد البسامي ... إذا رزق الفتى وجها وقاحا ... تقلب في الأمور كما يشاء ... ولم يك للدواء ولا لشيء ... يعالجه به فيه غناء ... فما لك في معاتبة الذي لا ... حياء لوجهه إلا العناء ... .
قال أبو حاتم إن المرء إذا اشتد حياؤه صان عرضه ودفن مساويه ونشر محاسنه ومن ذهب حياؤه ذهب سروره ومن ذهب سروره هان على الناس ومقت من مقت أوذى ومن أوذى حزن ومن حزن فقد عقله ومن أصيب في عقله كان أكثر قوله عليه لا له ولا دواء لمن لا حياء له