فصل في التقديم والتأخير في النفي .
وإِذ قد عرفتَ هذه المسائلَ في الاستفهام فهذهِ مسائلِ في النَّفي . إذا قلتَ : ما فَعَلْتُ . كنتَ نفيتَ عنك فِعْلاً لم يثبتْ أنه مفعولٌ . وإِذا قلتَ : ما أنا فَعلتُ . كنتَ نفيتَ عنك فِعلاً ثَبَتَ أنه مفعُولٌ . تفسيرُ ذلك أنَّك إذا قلتَ : ما قلتُ هذا . كنتَ نفيتَ أن تكونَ قد قلتَ ذاك . وكنتَ نُوظرتَ في شيءٍ ثبتَ أنّه مقولٌ . وكذلك إذا قلتَ : ما ضربتُ زيداً . كنتَ نفيتَ عنك ضرَبه ولم يجبْ أن يكونَ قد ضُرِبَ بل يجوزُ أن يكونَ قد ضرَبه غيرُك وأن لا يكونَ قد ضُرِبَ أصلاً . وإِذا قلتَ : ما أنا ضربتُ زيداً : لم تقلْه إلاّ وزيدٌ مضروبٌ وكان القصدُ أن تنفيَ أنْ تكونَ أنتَ الضَّاربَ .
ومن أجل ذلك صَلُح في الوجهِ الأول أن يكونَ المنفيُّ عامّاً كقولك : ما قلتُ شعراً قطُّ وما أكلتُ اليومَ شيئاً وما رأيتُ أحداً منَ الناس . ولم يصلحْ في الوجهِ الثاني فكان خُلْفاً أن تقولَ : ما أنا قلتُ شِعراً قطّ وما أنا أكلتُ اليومَ شيئاً وما أنا رأيتُ أحداً من الناس . وذلك لأنه يَقْتضي المُحالَ وهو أن يكون هاهُنا إنسانٌ قد قالَ كلَّ شعرٍ في الدُّنيا وأكلَ كلَّ شيء يُؤكُل ورأى كُلَّ أحدٍ من النّاس . فنفيتَ أن تكونه .
ومما هو مثال بَين في أنّ تقديمَ الاسم يقتضي وجودَ الفعل قولُه - من المتقارب - :