ذلك قولُ ابنِ أبي عُييَنةَ - الكامل - : .
( فَدَعِ الوَعيدَ فَما وَعيدُكَ ضائري ... أَطَنِينُ أَجْنِحَةِ الذُّبَابِ يَضيرُ ) .
جعلَهُ كأنَّه قد ظَنَّ أنَّ طنينَ أجنحةِ الذبابِ بمثابةِ ما يضيرُ حتى ظنَّ أن وعيدَه يضيرُ .
واعلمْ أنَّ حالَ المفعولِ فيما ذكرنا كحالِ الفاعلِ أعني تقديمَ إسمِ المفعول يَقْتضي أن يكونَ الإِنكارُ في طريق الإِحالة والمنع من أن يكونَ بمثابةِ أن يُوقَعَ به مثلُ ذلك الفعل . فإِذا قلتَ : أزيداً تضربُ كنتَ قد أنكرتَ أن يكونَ زيدٌ بمثابة أن يُضرَبَ أو بموضعٍ أن يُجترأ عليه ويُستجازَ ذلك فيه ومن أجل ذلك قدَّم " غير " في قولهِ تعالى : ( قُلْ أغَيْرَ اللَّهِ أتَّخِذُ وليّاً ) وقولهِ عزّ وَجَلَ : ( قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُون ) وكان له من الحُسن والمزيَّة والفخامة ما علمُ أنه لا يكونُ لو أُخرَ فقيلَ : قل أتتَّخذُ غيرَ الله ولياً وأتدعون غير الله وذلك لأنه حصل بالتقديم معنى قولك أيكون غير الله بمثابة أن يتخذ وليا وأَيرضى عاقلٌ من نفسهِ أن يفعلَ ذلك وأيكونُ جهلٌ أجهلَ وعمًى أعمى من ذلك ولا يكونُ شيءٌ مِن ذلك إِذا قيلَ : أأتَّخذ غيرَ الله ولياً وذلك لأنَّه حينئذٍ يتناولُ الفعلَ أن يكونَ فقط ولا يزيدُ على ذلك فاعرفْه .
وكذلك الحكمُ في قولِهِ تَعالى : ( فَقَالُوا أَبَشَراً مِنَّا وَاحِداً نَتَّبِعُهُ ) . وذلك لأنَّهم بَنَوا كفرَهُم على أنَّ مَن كان مثَلهُم بشراً لم يكُن بمثابةِ أن يُتَّبعَ ويُطاع ويُنْتَهى إِلى ما يأمرُ ويُصدَّقُ أنه مبعوثٌ منَ الله تعالى وأنهم مأمورون بطاعتهِ كما جاء في الأُخرى : ( إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أنْ تَصُدُّونا ) وكقوله عَزَّ وجلَّ : ( مَا هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُريدُ أنْ