يستمرُّ من حيثُ إنَّا نقول : جاءني غلمانُ زيدٍ وهو فتجد الاستنكارَ ونُبوَّ النَّفْس مع أنْ لا لبسَ مثل الذي وجدناه . وإذا كان كذلك وَجَبَ أن يكونَ السببُ غير ذلك والذي يوجبِهُ التأمُّلُ أن يُرَدَّ إلى الأصل الذي ذَكَره الجاحِظُ من أنَّ سائلاً سألَ عن قولِ قيسِ بنِ خارجة " عندي قِرى كلِّ نازل ورضَى كلِّ ساخِط وخُطبةٌ من لَدُنْ تطلعُ الشَّمْسُ إلى أن تَغْرُبَ آمرُ فيها بالتَّواصُل وأَنهى فيها عن التقاطُع " . فقال : أليسَ الأمرُ بالصِّلة هو النهيُ عن التقاطعِ قال : فقال أبو يعقوب : أما علمتَ أن الكنايةَ والتعريضَ لا يعملانِ في العقول عملَ الإِفصاحِ والتكشيفوذكرتُ هناك أن لهذا الذي ذكر من أنَّ للتصريحِ عملاً لا يكونُ مثلَ ذلك العمل للكناية كان لإِعادةِ اللفظ في قولهِ تعالى : ( وبالحقِّ أنزلناهُ وبالحقِّ نَزَلَ ) وقولِه : ( قُل هوَ اللهُ أحدٌ اللهُ الصَّمَدُ ) عَمَل لولاها لم يكن . وإِذا كان هذا ثابتاً معلوماً فهو حكمُ مسألتنا . ومن البيِّن الجليِّ في هذا المعنى - وهو كبيتِ ابن الرومي سواءٌ لأنّه تشبيهٌ مثلهُ - بيتُ الحماسة - الهزج - : .
( شَدَدْنا شَدَّةَ اللَّيثِ ... غدا والليثُ غضبانُ ) .
ومن الباب قول النّابغة - الرجز - : .
( نَفْسُ عصامٍ سوَّدَتْ عِصاماً ... وعلَّمتْهُ الكَرَّ والإِقداما )