التأملِ ومُواظبةٍ على التدبُّر وإلى همَّةٍ تأبى لك أن تقنعَ إلا بالتَّمام وأن تَرْبَعَ إلاَّ بعدَ بلوغِ الغاية .
ومتى جَشِمْتَ ذلك وأبيتَ إلا أن تكونَ هنالك فقد أممتَ إلى غرضٍ كريم وتعرَّضتَ لأمرٍ جَسيم وآثرتَ التي هي أتمُّ لدينكَ وفضلكَ وأنبلُ عندَ ذوي العقول الرّاجحة لك . وذلك أن تعرفَ حُجّةَ الله تعالى منَ الوجهِ الذي هو أضوأُ لها وأنوهُ لها وأخلقُ بأن يزدادَ نورُها سُطوعاً وكوكبُها طُلوعاً وأن تسلكَ إليها الطريقَ الذي هو آمَنُ لكَ منَ الشَّك وأَبعدُ منَ الرَّيب وأصحُّ لليقين وأَحرى بأن يُبلَّغَك قاصِيةَ التبيين .
واعلمْ أنه لا سبيلَ إلى أن تعرفَ صحَّةَ هذه الجملة حتى يبلغَ القولُ غايتَه وينتهيَ إلى آخِرِ ما أردتُ جمعَهُ لك وتصويرَهُ في نفسك وتقريرَهُ عندك إلا أنّ هاهُنا نُكتةً إنْ أنتَ تأمَّلتَها تأمُّلَ المتثبَّت ونظرتَ فيها نظرَ المُتَأنَّي رجوتُ أن يَحْسُنَ ظَنُّك وأن تنشَطَ للإِصغاءِ إلى ما أُوردهُ عليك . وهي أنَّا إذا سُقنا دليلَ الإِعجازِ فقلنا : لولا أنَّهم حين سَمعوا القرآن وحين تُحُدُّوا إلى معارضتهِ سمعوا كلاماَ لم يَسمعوا قطُّ مثلَه وأنهم قد رازوا أنفسَهم فأحسُّوا بالعجزِ عن أن يأتوا بما يُوازيهِ أو يُدانيهِ أو يقعَ قريباً منه لكان مُحالاً أن يَدعوا معارضتَه وقد تُحُدّوا إليه وقُرَّعُوا فيه وطُولبوا به وأن يتعرضُوا لشَبا الأسنَّة ويقتحموا مواردَ الموت فقيلَ لنا : قد سَمعنا ما قلتم فَخبَّرُونا عنهم عَمّا ذا عَجزوا أعن مَعانٍ في دِقَّةِ معَانيهِ وحُسنها وصِحَّتها في العقول أم عن ألفاظٍ مثلِ ألفاظه فإنْ قلتم عنِ الألفاظ فماذا أعجزهُم منَ اللفظ أم ما بهرهُم منه فقلنا : أعجزَتْهُم مزايا ظهرتْ لهم في نظمهِ وخصائصُ صادفوها في سياقِ لفظهِ وبدائعُ راعتهم من مبادىءَ آيهِ ومقاطِعها ومجاري ألفاظِها ومواقعها وفي مضربِ كلَّ مثلٍ ومساقِ كلَّ خبرٍ وصورةِ كلَّ عظةٍ وتنبيهٍ وإعلامٍ وتذكيرٍ وترغيبِ وترهيبٍ ومع كلَّ حُجةٍ وبُرهانٍ وصفةٍ وتبيان . وبَهرهُم أنَّهم تأمَّلوهُ سورةً سورةً