تذهبُ تلك الخيوطُ وتجيءُ وماذا يذهبُ منها طُولاً وماذا يذهبُ منها عَرضاَ وبِمَ يَبدأ وبم يُثَنّي وبِمَ يُثلَّث وتبصرُ منَ الحِساب الدَّقيق ومن عجيبِ تصرُّفِ اليَدِ ما تعلمُ منه مكانَ الحِذْقِ وموضِعَ الأُستاذيّة . ولو كانَ قولُ القائل لك في تفسير الفصاحةِ : إنها خصوصيَّةٌ في نظمِ الكلمِ وضَمَّ بعضِها إلى بعضٍ على طريقٍ مخصوصةٍ أو على وجوه تظهر بها الفائدة أو ما أشبهَ ذلك منَ القولِ المُجمل كافياً في معرفتها ومُغنياً في العلم بها لكفى مِثلُه في معرفةِ الصِّناعات كُلِّها . فكان يكفي في معرفةِ نسجِ الدِّيباجِ الكثير التَّصاوير أن تَعْلَمَ أنه ترتيبٌ للغزلِ على وجهٍ مخصوصٍ وضَمٌّ لطاقاتِ الأبريسَم بعضِها إلى بعضٍ على طُرقِ شَتّى وذلك ما لا يقولهُ عاقل .
وجملةُ الأمر أنك لن تعلمَ في شيءٍ منَ الصّناعات علماَ تُمِرُّ فيه وتُحلي حتى تكونَ ممن يعرفُ الخطأ فيها منَ الصَّواب ويفصلُ بينَ الإِساءةِ والإِحسانِ بل حتّى تُفاضِلَ بينَ الإِحسان والإِحسان وتعرفَ طبقاتِ المُحسِنين .
وإِذا كان هذا هكذا علمتَ أنه لا يكفي في علمِ الفصاحةِ أن تنصبَ لها قياساً وأن تصفَها وصفاً مُجملاً وتقولَ فيها قولاً مُرسَلاً . بل لا تكون من معرفتها في شَيْءٍ حتى تُفَصَّلَ القولَ وتُحَصَّلَ وتضعَ اليدَ على الخصائصِ التي تعرضُ في نظمِ الكلمِ وتعدَّها واحدةً واحدةً وتسمَّيَها شيئاً شيئاً . وتكون معرفتُك معرفةَ الصَّنَع الحاذقِ الذي يعلمُ علمَ كلَّ خيطٍ منَ الأبريسَم الذي في الدِّيباج وكلَّ قطعةٍ منَ القطع المَنْجورة في الباب المُقَطَّع وكلَّ آجُرَّةٍ منَ الآجُرِّ الذي في البناء البديع .
وإِذا نظرتَ إلى الفصاحة هذا النظرَ وطلبْتَها هذا الطلبَ احتجتَ إلى صبرٍ على