بسم الله الرحمن الرحيم .
فصل في أهمية السياق للمعنى .
ما أظنُّ بكَ أيها القارىء لكتابِنا إِن كنتَ وفَّيته حقَّه من النظرِ وتدبَّرتَه حقَّ التدبرِ إِلاّ أنكَ قد علمتَ علماً أَبى أن يكون للشكِّ فيه نصيبٌ وللتوقّفِ نحوكَ مذهبٌ أنْ ليس النظمُ شيئاً إِلاّ توخيِّ معاني النحو وأحكامِه ووجوهِه وفروقه فيما بَيْنَ معاني الكلم . وأنك قد تبيّنتَ أنه إِذا رُفِعَ معاني النَّحو وأَحكامُه مما بينَ الكلمِ حتى لا تُرادَ فيها في جملةٍ ولا تفصيلٍ خرجت الكلم المنطوقُ ببعضِها في أثرِ بعضٍ في البيتِ من الشعرِ والفصلِ من النَثْر عن أنْ يكونَ لكونِها في مواضِعِها التي وُضِعَتْ فيها مُوجبٌ ومُقتضٍ وعنْ أن يتصوَّر أن يقالَ في كلمة منها إِنها مرتبطةٌ بصاحبةٍ لها ومتعلِّقةٌ بها وكائنةٌ بسببٍ منها وأنَّ حسنَ تصوُّرك لذلك قد ثَبَّتَ فيه قَدَمَكَ وملأ مِنَ الثقةِ نفسَك وباعدَك من أن تحِنَّ إِلى الذي كنتَ عليه وأن يَجُرَّكَ الإِلفُ والاعتيادُ إِليه وأنك جعلتَ ما قلناه نقشاً في صدركَ وأثبتَّهُ في سويداءِ قلبكَ وصادقتَ بينَه وبينَ نفسِك . فإِنْ كانَ الأمرُ كما ظنناه رجونا أن يصادفَ الذي نريدُ أن نستأنفَه بعونِ الله تعالى منكَ نيةً حسنةً تقيكَ المللَ ورغبةً صادقةً تدفعُ عنكَ السأمَ وأَرْيحيةً يخفُّ معها عليك تعبُ الفِكْر وكدُّ النظر . واللهُ تعالى وليُّ توفيقك وتوفيقنا بمنّهِ وفضلهِ . ونبدأ فنقول : .
فإِذا ثبتَ الآن أنْ لا شَكَّ ولا مِرْيَةَ في أنْ ليس النظمُ شيئاً غيرَ توخّي معاني النحو وأحكامه فيما يبنَ معاني الكلم ثبتَ من ذلك أنَّ طالبَ دليلِ الإِعجازِ مِنْ نَظْمِ القرآنِ إِذا هو لم يطلبه في معاني النحوِ وأحكامِه ووجوهِه وفروقِه ولم يَعْلمْ أنها معدِنُه ومعانه وموضعه ومكانُه وأنه لا مُستنبَط له سِواها وأنْ لا وجهَ لطلبهِ فيما عداها غارٌ نفسَه بالكاذب من الطَمَع ومُسْلمٌ لها إِلى الخُدَع وأنهُ إِنْ أبى أن يكونَ فيها كان قد أبى أنْ يكون القرآنُ معجزاً بنظمه ولَزِمَه أن يُثبتَ شيئاً آخرَ يكونُ مُعجزاً به وأنْ يلحقَ بأصحابِ الصَّرفة