( حُجَجٌ تُخْرِسُ الألَدَّ بألفاظٍ ... فُرادى كالجَوهرِ المعدودِ ) .
( ومَعانٍ لو فَصَّلَتْها القَوافي ... هَجَّنَتْ شِعرَ جَروَلٍ ولَبيدِ ) .
( حُزْنَ مُستعمَلَ الكلامِ اخْتياراً ... وتجنَّبْنَ ظُلمَةَ التَّعقيدِ ) .
( ورَكبْنَ اللّفظَ القريبَ فأدركْنَ ... بهِ غايَةَ المُرادِ البَعيدِ ) .
( كالعَذَارَى غَدَوْنَ في الحُلَل الصُّفْرِ ... إِذا رُحْنَ في الخُطوطِ السودِ ) .
الغرضُ من كَتْبِ هذه الأبيات الاستظهارُحتى إِنْ حَمَل حامِلٌ نفسَه على الغَررِ والتقحُّم على غير بصيرةٍ فزعم أنَّ الإِعجازَ في مذَاقةِ الحروفِ وفي سلامَتِها مما يثقُلُ على اللسانِ علمَ بالنظرِ فيها فسادَ ظنِّه وقُبْحَ غَلطه من حيثُ يرى عياناً أنْ ليس كلامُهم كلاَمَ مَن خطر ذلك منه ببالٍ ولا صفاتُهم صفاتٍ تصلحُ له على حال إِذ لا يَخفى على عاقلٍ أنْ لم يكن ضربُ " تميم " لحزون جبال الشعر لأنْ تسلمَ ألفاظُه من حروفٍ تثقل على اللسان ولا كان تقويم " عديٍّ " لشعره ولا تشبيهُه نظرَه فيه بنظرِ المثقِّف في كُعوبِ قَناته ذلك وأَنه محالٌ أن يكونَ له جعل " بشار " نورَ العين قد غاض فصارَ إِلى قبله وأن يكون اللؤلؤُ الذي كان لا ينامُ عن طلبه وأنْ ليس هو صوبَ العقول الذي إِذا " انجلَتْ سَحائبُ منه أُعقبتْ بسحائب " وأنْ ليس هو " الدرَّ والمَرجان " مؤلفاً بالشَّذر في العقد ولا الذي له كان " البحتريُّ " مقدِّراً تقديرَ داود في السَّرد .
كيف وهذه كلُّها عباراتٌ عما يُدْركُ بالعقل ويُسْتَنْبَط بالفكر وليس الفكرُ الطريقَ إِلى تمييز ما يثقُلُ على اللسان مما لا يَثْقُلُ إِنَّما الطريقُ إِلى ذلك الحس . ولولا أنَ البلوى قد عَظُمَتْ بهذا الرأي الفاسد وأن الذين قد استهلكوا فيه قد صاروا من فَرْط شَغفهم به يُصغُون إِلى كلِّ شيءٍ يسمَعونه . حتى لو أنَّ إِنساناً قال : " باقلَى حار " يريهِم أنه يريدُ نصرةَ مذهبِهم لأقبلوا بأوجههم عليه فألقوا أسماعَهم إِليه لكان اطِّراحُهُ وتركُ الاشتغال بهِ أصوبَ لأنّه قولٌ لا يتَّصلُ منه جانبٌ بالصّواب البتة .
ذلك لأنَّه أولُ شيءٍ يؤدي إِلى أن يكونَ القرآنُ معجزاً لا بما بهِ كان قرآناً وكلامَ الله