مِنْ إِنسان وفرس من فرس بخصوصيةٍ تكونُ في صورةِ هذا لا تكونُ في صورةِ ذاك .
وكذلك كان الأمرُ في المصنوعاتِ فكانَ تَبَيُّنُ خاتِم من خاتِمٍ وسِوارٍ من سِوارٍ بذلك . ثم وَجَدْنا بينَ المعنى في أحد البيتين وبينه في الآخر بينونةً في عقولنا وفرقاً عبَّرنا عن ذلك الفرق وتلك البينونة بأن قُلنا : " للمعنى في هذا صورةٌ غيرُ صورته في ذلك " . وليس العبارةُ عن ذلك بالصورةِ شيئاً نحن ابتدأناه فينكِرُه منكِرٌ بل هو مستَعْملٌ مشهورٌ في كلام العلماء . ويكفيك قولُ الجاحظِ : " وإِنما الشعر صناعةٌ وضربٌ من التصوير " .
واعلمْ أنه لو كانَ المعنى في أحد البيتين يكونُ على هيئته وصفتِه في البيتِ الآخر وكانَ التالي من الشاعِرَيْن يجيئك به مُعاداً على وجهه لم يُحدِثْ فيه شيئاً ولم يغيرْ له صفةً لكان قولُ العلماءِ في شاعرٍ : إِنه أَخَذَ المعنى مِنْ صاحِبِه فأحسنَ وأجادَ . وفي آخَر : إِنه أساء وقصَّر لغواً من القولِ من حيثُ كان مُحالاً أنْ يحسنَ أو يسيءَ في شيءٍ لا يصنع به شيئاً . وكذلك كانَ يكون جعلُهم البيتَ نظيراً للبيت ومناسباً له خطأ منهم لأنه محالٌ أن يناسِبَ الشيءُ نفسَه وأن يكونَ نظيراً لنفسِه . وأمرٌ ثالث وهو أنهم يقولون في واحد : " إِنه أخَذَ المعنى فظهر أخذُه وفي آخر : إِنه أخذَه فأخفَى أخذه . ولو كان المعنى يكونُ مُعاداً على صورتِه وهيئتِه وكانَ الآخِذُ له مِنْ صاحِبِهِ لا يصنَعُ شيئاً غيرَ أن يبْدِلَ لفظاً مكانَ لفظ لكان الإخفاءُ فيه محالاً لأن اللفظ لا يُخفى المعنى وإنما يُخْفيه إِخراجُه في صورةٍ غيرِ التي كانَ عليها . مثالُ ذلك أن القاضي أبا الحَسَن ذكر فيما ذكر فيه تناسُبَ المعاني بيتَ أبي نواس - مجزوء الرمل - : .
( حَلِيَتْ والحُسْنُ تأخذُهُ ... تَنْتَقِي منهُ وتنتخِبُ ) .
وبيتَ عبدِ الله بنِ مُصْعَب - الوافر - : .
كأنَّك جئتَ محتكِماً عليهمْ ... تخَيَّرُ في الأبُوَّةِ ما تشاءُ ) .
وذكر أنهما معاً من بيتِ بشَّار - الطويل - :