( لهُ من كَريمِ الطَّبْع في الحَرْبِ مُنْتَضٍ ... ومِنْ عادَةِ الإِحسانِ والصَّفْحِ غامِدُ ) .
فانظُرِ الآن نظرَ مَن نفى الغفلةَ عن نفسه فإِنكَ ترى عياناً أنَّ للمعنى في كل واحدٍ من البيتين مِنْ جميعِ ذلك صورةً وصفةً غيرَ صورتِه وصفتِه في البيتِ الآخر . وأَنَّ العلماءَ لم يريدوا حيثُ قالوا : إِنَّ المعنى في هذا هو المعنى في ذاك أنَّ الذي تعقِلُ من هذا لا يخالفُ الذي تَعقِلُ من ذاك . وأنَّ المعنى عائدٌ عليك في البيتِ الثاني على هيئتِه وصفتِه التي كانَ عليها في البيتِ الأوّل وأنْ لا فرقَ ولا فصلَ ولا تبايُنَ بوجهٍ من الوجوه وأنَّ حكمَ البيتين مثلاً حكمُ الاسمينِ قد وُضعا في اللغة لشيءٍ واحدٍ كالليث والأسد . ولكن قالوا ذلك على حَسَب ما يقولُه العقلاء في الشيئين يجمعهما جنسٌ واحد ثم يفترقان بخواصَ ومزايا وصفاتٍ كالخاتم والخاتم والشنفِ والشنفِ والسّوارِ والسّوار وسائر أصناف الحُليِّ التي يجمعُها جنسٌ واحد ثم يكون بينها الاختلافُ الشّديدُ في الصنعة والعمل .
ومَنْ هذا الذي ينظر إِلى بيتِ الخارجيِّ وبيتِ أبي تمام فلا يعلم أن صورةَ المعنى في ذلك غيرُ صورته في هذا كيف والخارجيُّ يقول : واحتجَّت له فعلاته . ويقول أبو تمام : .
( إذًا لَهجاني عنْه مَعْروفُه عندي ... ) .
ومتى كان احتجَّ وهَجا واحداً في المعنى وكذلك الحكمُ في جميع ما ذكرناه فليسَ يتصوَّر في نفسِ عاقلٍ أنْ يكونَ قولُ البحتري : .
( وأحَبُّ آفاقِ البلاد إِلى الفَتى ... أرْضٌ ينالُ بها كَريمَ المَطْلَبِ ) .
وقولُ المتنبي : .
( وكلُّ مكان ينبتُ العِزّ طَيِّبُ ... ) .
سواء .
واعلمْ أنَّ قولنا : الصورةُ إِنما هو تمثيلٌ وقياس لما نَعْلَمه بعقولنا على الذي نراه بأبصارنا . فلما رأينا البينونةَ بين آحادِ الأجناسِ تكونُ من جهة الصورةِ فكان بيْنُ إِنسانٍ