وأن يُحَسَّنَ البناءَ على غيرِ أساس . وأن يقولَ الشَّيءَ لم يَقْتُلْه عِلْماً . ونسألُ الله الهدايةَ ونرغبُ إليه في العصمة .
ثم إنّا وإن كنّا في زمانٍ هو على ما هو عليهِ من إحالةِ الأُمور عن جهاتها وتحويلِ الأَشياءِ عن حالاتها ونقلِ النُّفوس عن طِباعِها وقلب الخلائقِ المحمودةِ إلى أضدادِها ودهرٍ ليس للفضْل وأهلهِ لديهِ إلاّ الشرُّ صِرْفاً والغيظُ بَحْتاً وإلاّ ما يُدهش عقولَهم ويِسلبُهم معقولَهم حتى صار أعجرُ النّاس رأياً عندَ الجميع مَنْ كانت له هِمّةٌ في أن يستفيدَ عِلماً أو يزدادَ فًهماً أو يكتَسِبَ فضلاً أو يجعلَ له ذلك بحالٍ شُغلاً فإِن الإِلفَ من طباعِ الكريم وإذا كانَ من حقَّ الصدَّيقِ عليك ولا سيَّما إذا تقادمتْ صُحبتُه وصحَّتْ صَداقَتُه أن لا تجفُوَهُ بأن تَنْكُبَكَ الأيامُ وتُضجِرَك النَّوائبُ وتُحرِجَك مِحَنُ الزَّمان فتتناساهُ جُملةً وتطويهِ طَيّاً . فالعِلمُ الذي هوَ صديقٌ لا يحولُ عنِ العهدِ ولا يُدغِلُ في الود وصاحبٌ لا يصِحُّ عليه النَّكثُ والغَدرُ ولا يُظَنُّ به الخيانَةُ والمكر أولى منه بذلك وأجدرُ وحَقُّه عليك أَكبر .
ثم إنَّ التَّوقَ إلى أن تقَرَّ الأُمورُ قرارَها وتوضَعَ الأشياءُ مواضِعها والنّزاعَ إلى بيانِ ما يُشكلُ وحَلَّ ما يَنعقدُ والكشفِ عما يَخْفى وتلخيصِ الصِّفةِ حتى يزدادَ السّامعُ ثقةً بالحُجّة واستظهاراً على الشُّبهة . واستبانةً للدَّليلِ وتَبييناً للسَّبيلَ شيءٌ في سُوسِ العَقْل وفي طباعِ النَّفس إذا كانت نَفساً .
ولم أزلْ منذُ خدمتُ العِلْمَ أنظرُ فيما قاله العلماءُ في معنى الفصاحةِ والبلاغةِ والبيانِ والبَراعةِ وفي بيانِ المَغْزى من هذه العباراتِ وتفسيرِ المُرادِ بها فأجدُ بعضَ ذلك كالرَّمز والإِيماء والإِشارةِ في خَفَاء . وبعضَه كالتنَّبيه على مكانِ الخبيء ليُطلبَ ومَوضعِ