وذلك أنَّهم قد ذهبوا في رَفْعِ ثلاثةٍ إلى أنها خبرُ مبتدأ محذوف وقالوا : إنَّ التقديرَ " ولا تقولوا آلهَتُنا ثلاثةٌ " وليس ذلك بمستقيم . وذلك أنّا إذا قلنا : " ولا تقولوا آلهتنا ثلاثة " كان ذلك - والعياذ بالله - شبه الإِثبات أن هاهُنا آلهةً من حيثُ إنك إذا نفيتَ فإنما تَنفي المعنى المستفادَ من الخبر عن المبتدأ ولا تنفي معنى المبتدأ . فإِذا قلتَ : ما زيدٌ منطلقاً كنتَ نفيتَ الانطلاقَ الذي هو معنى الخبر عن زيدٍ ولم تنفِ معنى زيد ولم توجبْ عدمَه . وإِذا كان ذلك كذلك فإِذا قلنا : " ولا تقولوا آلهتنا ثلاثة " كنا قد نفينا أن تكونَ عدَّةُ الآلهةِ ثلاثةً ولم ننفِ أن تكون آلهة - جلَّ الله تعالى عن الشَّريك والنَّظير - كما أنك إِذا قلتَ : ليس أمراؤنا ثلاثةً كنت قد نفيتَ أن تكونَ عدَّةُ الأمراء ثلاثة ولم تنفِ أن يكون لكم أمراء هذا ما لا شبهة فيه وإذا إن أدى هذا التقدير إلى الفساد وجب أن يعدل عنه إلى غيره والوجه - والله أعلمُ - أن تكونَ " ثلاثة " صفةَ مبتدأ لا خبرَ مبتدأ ويكون التقديرُ : " ولا تقولوا لنا آلهةٌ ثلاثة أو في الوجود آلهة ثلاثة ثم حذف الخبر الذي هو " لنا " أو في الوجود كما حذف من ( لا إله إلا الله ) و ( ما مِن إلهٍ إلاّ الله ) فبقي : ولا تقولوا : آلهةٌ ثلاثةٌ ثم حذف المصوفُ الذي هو آلهة فبقي " ولا تقولوا ثلاثة " . وليس في حذفِ ما قدَّرنا حذفه ما يتوقَّف في صحته . أما حذفُ الخبر الذي قلنا إنه " لنا " أو " في الوجود " فمطَّردٌ في كلِّ ما معناهُ التوحيدُ ونفيُ أن يكون مع الله - تعالى عن ذلك - إلهٌ .
وأما حذفُ المصوف بالعدد فكذلك شائعٌ . وذلك أنه كما يسوغُ أن تقولَ : عندي ثلاثة وأنت تريدُ ثلاثَة أثوابٍ . ثم تحذفُ لعلمك أن السامعَ يعلم ما تريدُ . كذلك يسوغُ أن تقول : عندي ثلاثةٌ وأنت تريدُ ( أثواب ثلاثة ) لأنه لا فصلَ بين أن تجعلَ المقصودَ بالعدد مميَّزاً وبين أن تجعلَه موصوفاً بالعدد في أنه يحسنُ حذفُه إذا عُلِم المراد . ويُبَيِّنُ ذلك أنك ترى المقصودَ بالعدد قد تُرك ذكرُه ثم لا تستطيعُ أن تقدره إلاَّ موصوفاً وذلك في قولك : عندي اثنانِ وعندي واحدٌ يكون المحذوف هاهنا موصوفاً لا محالةَ نحو : عندي رجلانِ اثنان وعندي دِرْهَمٌ واحدٌ . ولا يكون مميزاً البتةَ من حيثُ كانوا قد رفضوا إضافةَ الواحدِ والاثنين إل الجنسِ فتركوا أن يقولوا : واحدٌ رجالٌ واثنان رجالٌ على حَدِّ " ثلاثة رجال " . ولذلك كان قولُ الشاعر - الرجز - :