وبتقرُّر الوجود فيها عندَ المخاطب مثلَه عند المتكلم لأنه إذا وقعتِ الحاجةُ في العلم إلى الصفةِ كان الاحتياجُ إليها من أجل خِيفَةِ اللَّبس على المخاطَب . تفسيرُ ذلك أنك إذا قلتَ جاءني زيدٌ الظريفُ فإِنك إنما تحتاجُ إلى أن تصفَه بالظريفِ إذا كان فيمن يجيءُ إليك واحدٌ آخرُ يسمى زيداً . فأنت تَخْشى إنْ قلتَ : جاءني زيدٌ ولم تقل " الظريف " أنْ يلتبسَ على المخاطب فلا يدري : أهذا عنيتَ أم ذاك وإذا كان الغرضُ من ذكرِ الصفة إزالةَ اللبس والتبيين كان مُحالاً أن تكونَ غيرَ معلومةٍ عند المخاطب وغيرَ ثابتة . لأنه يؤدي إلى أنْ تروم تبيينَ الشيءِ للمخاطب بوصفٍ هو لا يعلمُه في ذلك الشيء وذلك ما لا غايةَ وراءه في الفساد . وإذا كان الأمرُ كذلك كان جعل الابنِ صفةً في الآية مُؤديًا إلى الأمرِ العظيم وهو إخراجُه عن موضعِ النفي والإِنكار إلى موضع الثبوتِ والاستقرارِ . جلَّ الله تعالى عن شَبَه المخلوقين وعن جميعِ ما يقول الظالمون علوّاً كبيراً .
فإِن قيلَ : إن هذه قراءةٌ معروفةٌ والقولَ بجواز الوصفية في الابن كذلك معروفٌ ومدوَّن في الكتبِ وذلك يقتضي أن يكونوا قد عرفوا في الآيةِ تأويلاً يدخُلُ به الابنُ في الإِنكار مع تقديرِ الوصفية فيه قيل : إن القراءةَ كما ذكرتَ معروفةٌ والقولَ بجواز أن يكونَ الابنُ صفةً مُثبتٌ مسطورٌ في الكتبِ كما قلتَ . ولكنَّ الأصلَ الذي قدَّمناه من أنَّ الإِنكارَ إِذا لَحِق الخبرَ دونَ الصفة ليس بالشيءِ الذي يعترضُ فيه شكٌّ أو تتسلطُ عليه شُبهة . فليس يتَّجه أن يكونَ الابنُ صفة ثم يلحقُه الإِنكارُ مع ذلك إلاّ على تأويلٍ غامضٍ وهو أن يقالَ : إنَّ الغرضَ الدَّلالةُ على أنَّ اليهودَ قد كان بلغَ من جهلِهم ورسوخِهم في هذا الشِّرْك أنهم كانوا يذكرون عُزيراً هذا الذكرَ . كما تقولُ في قومٍ تريدُ أن تصفَهُم بأنهم قد اسْتَهلكوا في أمْرِ صاحِبهم وغَلَوا في تعظيمه : إني أراهُم قد اعتقدوا أمراً عظيماً فهم يقولون أبداً زيدٌ الأميرُ تريدُ أنه كذلك يكون ذكرُهم إذا ذكروه إلاّ أنه إنما يستقيمُ هذا التأويلُ فيه إذا أنتَ لم تقدِّر له خبراً معيناً ولكن تريدُ أنهم كانوا لا يُخبِرُون عنه بخبرٍ إلاّ كان ذكرُهم له هكذا .
وممّا هو من هذا الذي نحنُ فيه قولُه تعالى : ( ولا تَقُولوا ثلاثةٌ انْتَهَوْا خَيْراً لكُم )