يقولُ : إِنَّه ليس يَنْبغي للعاشقِ أن يلومَ من يَلومُهُ في عشقِه وأنه ينبغي أَن لا يُنكَرَ ذلك منه فإِنه لا يَعْلَمُ كُنْهُ البلوَى في العِشْقِ . ولو كان ابْتُلي به لعَرفَ ما هو فيه فَعَذَره . وقولُه - الكامل - : .
( ما أَنتَ بالسَّبَبِ الضَّعيفِ وإِنّما ... نُجْحُ الأُمورِ بقوَّةِ الأسبابِ ) .
( فاليومَ حاجَتُنا إِليكَ وإِنّما ... يُدْعَى الطَّبيبُ لِساعةِ الأَوْصابِ ) .
يقولُ في البيتِ الأول : إِنه ينبغي أن أنْجحَ في أمري حِينَ جعلتُك السببَ إِليه . ويقولُ في الثاني : إِنَّا قد وضعْنا الشيءَ في موضِعِه وطلبنا الأمرَ من جهَتهِ حينَ استعنّا بك فيما عرضَ من الحاجة وعوَّلنا على فضلِكَ . كما أنَّ مَنْ عوَّل على الطبيبِ فيما يعرِضُ له من السُقْم كان قد أصابَ بالتَّعويلِ موضِعَه وطلب الشيءَ من مَعْدِنه .
ثم إِن العجَبَ في أنَّ هذا التعريضَ الذي ذكرتُ لك لا يحصُلُ من دُونِ " إِنما " فلو قلتَ : يتذكَّرُ أولو الألباب لم يدلَّ على ما دلَّ عليه في الآية وإِنْ كان الكلامُ لم يتغيَّرْ في نفسِه وليس إِلاَّ أنه ليس فيه " إِنما " . والسَبَبُ في ذلك أن هذا التَّعريضَ إِنما وقعَ بأن كان من شأنِ إِنَّما أن تضمَّنَ الكلامُ معنى النفي من بَعْدِ الإِثباتِ والتصريحِ بامتناعِ التذكُّرِ ممن لا يَعْقِل . وإِذا أُسقِطَتْ من الكلامِ فقيل : يتذكَّر أولو الألباب كان مجرَّدَ وصفٍ لأولي الألباب بأنهم يَتذكَّرُون . ولم يكنْ فيه معنى نفيٍ للتذكرِ عمَّن ليس منهم . ومحالٌ أن يقعَ تعرضٌ لشيءٍ ليس له في الكلام ذكرٌ ولا فيه دليلٌ عليه . فالتعريضُ بمثلُ هذا أعني بأن يقولَ : يتذكرُ أولو الألباب بِإسقاطِ " إِنما " يقعُ إِذًا إِنْ وقع بمدحِ إِنسانٍ بالتيقُّظ وبأنه فعلُ ما فعلَ وتنبهٌ لِما تنبَّهَ له لعقله ولحسنِ تمييزِه كما يقال : كذلك يفعلُ العاقلُ وهكذا يفعل الكريمُ . وهذا موضعٌ فيه دقةٌ وغموضٌ وهو مما لا يكادُ يقعُ في نفسِ أحدٍ أنه ينبغي أن يُتعرَّفَ سبُبُه ويُبحثَ عن حقيقة الأمرِ فيه .
وممّا يجبُ لك أن تجعلَه على ذكرٍ منك من معاني " إِنما " ما عرَّفتُك أولاً من أنها قد