من أنها تُبطِلُ عملَها حتى ترى النَّحويين لا يزيدون في أكثرِ كلامِهم على أنها كافَّة . ومكانُها هاهنا يُزيلُ هذا الظنَّ ويبطلهُ . وذلك أنك ترى أنك لو قلت : ما جاءني زيدٌ وإِنَّ عمراً جاءني لم يُعقَلْ منه أنك أردتَ أن الجائي عمرٌو لا زيدٌ بل يكونُ دخولُ إِنّ كالشيءِ الذي لا يحتاجُ إِليه ووجدتَ المعنى يَنْبو عنه .
ثم اعلمْ أنك إِذا استقريتَ وجدتَها أقوى ما تكونُ وأعلَقَ ما ترى بالقلب إِذا كان لا يُرادُ بالكلامِ بعدَها نفسُ معناه ولكنَّ التّعريضَ بأمرٍ هو مقتضَاه نحوُ أنَّا نعلمُ أنْ ليس الغرضُ من قولِه تعالى : ( إِنّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألبْابِ ) أن يعلمَ السَّامِعُون ظاهرَ معناه ولكن أن يُذمَّ الكفارُ وأنْ يُقالَ : إِنهم من فرطِ العِنادِ . ومن غَلبَةِ الهوى عليهم في حكمِ مَنْ ليس بذي عقلٍ . وإِنكم إِنْ طَمعْتُم منهم في أن ينظروا ويتذكروا كنتُمْ كمن طَمِع في ذلك من غيرِ أولي الألباب . وكذلك قولُه : ( إِنَّما أنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها ) وقوله عزَّ اسمُه : ( إِنَّما تُنْذِرُ الّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بالغَيْب ) . المعنى على أَنَّ مَن لم تكنْ له هذه الخَشيةُ فهو كأنه ليس له أذُنٌ تسمعُ وقلبٌ يَعْقِلُ . فالإِنذارُ معه كلاًّ إِنذارٌ . ومثالُ ذلك من الشعرِ قولُه - مجزوء الرمل - : .
( أَنا لَمْ أُرْزقْ محبَّتَها ... إِنَّما للعبْدِ ما رُزِقا ) .
الغرضُ أن يُفهِمَك من طريقِ التَّعريضِ أنه قد صار يَنْصَحُ نفسَه ويعلم أنه يَنْبغي له أن يقطعَ الطَّمعَ من وصلِها ويَيْأسَ من أن يكونَ منها إِسعافٌ . ومن ذلك قوله - البسيط - : .
( وإِنَّما يعذرُ العُشَّاقُ مَنْ عَشِقَا ... )