( إنما مُصْعَبٌ شِهابٌ مِنَ الله ... تَجلَّتْ عن وَجْهِهِ الظَّلْماءُ ) .
ادَّعى في كونِ الممدوحِ بهذه الصفةِ أنه أَمْرٌ ظاهرٌ معلومٌ للجميع على عادةِ الشعراءِ إذا مَدَحوا أن يدَّعوا في الأوصاف التي يذكرونَ بها الممدوحِينَ أنها ثابتةٌ لهم وأنَّهم قد شُهروا بها وأنهم لم يَصِفوا إلاّ بالمعلومِ الظاهرِ الذي لا يدفعُه أحدٌ كما قال : .
( وتَعْذُلُني أَفْناءُ سَعْدٍ عَلَيْهِمُ ... وَمَا قُلْت إلاّ بالذَّي عَلِمَتْ سَعْدُ ) .
وكما قال البحتري : .
( لا أدَّعي لأبي العَلاءِ فَضيلَةً ... حَتَّى يُسَلِّمَها إلَيْهِ عِداهُ ) .
ومثلُه قولُهم : إنما هو أسدٌ وإنما هو نارٌ وإنما هو سيفٌ صارمٌ . إذا أدخلوا إنما جَعلوا في حكمِ الظاهرِ المعلومِ الذي لا يُنْكَر ولا يدْفَعُ ولا يَخْفَى .
وأما الخبرُ بالنَّفي والإِثباتِ نحو ما هذا إلاَّ كذا وإنْ هو إلاّ كذا فيكونُ للأمرِ يُنْكِرهُ المخاطَب ويشكّ فيه . فإذا قلتَ : ما هو إلاّ مصيبٌ أو : ما هو إلاّ مُخطىءٌ قلتَه لمن يدفَعُ أن يكونَ الأمْرُ على ما قلتَه . وإذا رأيتَ شخصاً مِنْ بعيد فقلتَ : ما هو إلاّ زيدٌ لم تقله إلاّ وصاحبُك يتوهّم أنه ليس بزيدٍ وأنه إنسانٌ آخرُ ويجدُّ في الإِنكارِ أن يكونَ زيداً . وإذا كان الأمْرُ ظاهراً كالذي مَضى لم تقلْه كذلك فلا تقولُ للرجل ترقِّقه على أخيه وتنبهه للذي يجب عليه منْ صِلَةِ الرَّحِمِ ومنْ حُسْنِ التَّحابِّ : ما هُوَ إلاّ أخوك . وكذلك لا يصلُحُ في : إنما أنتَ والدٌ ما أنتَ إلاَّ والدٌ . فأما نحوُ : إنما مُصْعَب شهابٌ فيصلُح فيه أن تقولَ : ما مُصْعَبٌ إلاّ شهابٌ . لأنَّه ليس من المعلومِ على الصِّحة وإنما ادَّعى الشاعرُ فيه أنه كذلك . وإذا كانَ هذا هكذا جازَ أن تقولَه بالنفي والإثباتِ . إلاّ أنك تخرِجُ المدحَ حينئذٍ عن أن يكونَ على حدِّ المبالغةِ من حيثُ لا تكونُ قد ادَّعيتَ فيه أنه معلومٌ وأنه بحيثُ لا ينكِرهُ منكِرٌ ولا يخالِفُ فيه مخالِفٌ