ولا يقالُ " الشفاءُ " في قولِه تعالى : ( يَخْرُجُ من بُطُونِها شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلوانُهُ فِيْهِ شِفاءٌ للنَّاسِ ) حيثُ لم يكن شفاءً للجميع .
واعلمْ أنه لا يتصوَّر أن يكونَ الذي هَمَّ بالقتلِ فلم يقتلْ خوفَ القصاصِ داخلاً في الجملة وأن يكونَ القصاصُ أفادَه حياةً كما أفادَ المقصودَ قتلُه . وذلك أنَّ هذه الحياةَ إِنَّما هي لمن كان يُقتلُ لولا القصاصُ وذلك محالٌ في صِفَةِ القاصِدِ للقتلِ . فإِنما يصحُّ في وصفِه ما هو كالضِّدِّ لهذا وهو أن يقالَ إِنه كان لا يُخافُ عليه القتلُ لولا القصاصُ وإِذا كانَ هذا كذلكَ كان وجهاً ثالثاً من وجوبِ لتَّنكير .
فصل في الذوق والمعرفة .
واعلمْ أنه لا يصادِفُ القولُ في هذا البابِ موقعاً من السامِعِ ولا يَجدُ لديه قَبولاً حتى يكونَ من أهل الذوقِ والمعرفةِ وحتى يكونَ ممن تحدِّثُه نفسُه بأنَّ لما يُومىءُ إِليه من الحسنِ واللطفِ أصلاً وحتى يختلفَ الحالُ عليه عندَ تأمُّلِ الكلام فيجدَ الأريحيةَ تارةً ويَعرى منها أخرى . وحتى إِذا عجَّبتَه عجِبَ وإِذ نَبَّهتَه لموضع المزية انتبه . فأمّا من كانتِ الحالانِ والوجهان عنده أبداً على سواءٍ وكان لا يَفْقَه من أمرِ النظمِ إِلا الصحَّةَ المُطلقةَ وإِلا إِعراباً ظاهراً فما أقلَّ ما يُجدي الكلامُ معه . فليكنْ مَنْ هذه صفتُه عندَك بمنزلةِ مَن عدم الإِحساسَ بوزنِ الشعرِ والذوقَ الذي يقيمه به والطَّبعَ الذي يميِّزُ صحيحُه من مكسورِه ومزاحفَه من سالمِه وما خرجَ من البحرِ ممّا لم يخرجْ منهُ في أنك لا تتصدَّى له ولا