وهو أنْ تقولَ : لم يأتِني واحدٌ منهم ولكن أتاني بعضُهم .
واعلَمْ أنَّهُ ليس التأثيرُ لِما ذكرْنا من إِعمالِ الفعلِ وتركِ إِعمالِه على الحقيقةِ . وإِنَّما التأثيرُ لأَمرٍ آخرَ وهو دخولُ كلّ في حيِّز النَّفْي وأن لا يدخُلَ فيه . وإِنما علَّقنا الحكمَ في البيتِ وسائرِ ما مضى بإِعمالِ الفعلِ وتركَ إِعمالِه من حيثُ كان إِعمالُه فيه يقتضي دخولَه في حيِّزِ النفي وتركُ ِعمالِه يوجبُ خروجَه منه من حيثُ كان الحرفُ النافي في البيتِ حرفاً لا ينفصِلُ عن الفعلِ وهو " لم " لا أنّ كَوْنَهُ معمولاً للفعل وغيرَ معمولٍ يقتضي ما رأيتَ من الفرق . أفلا تَرى أنك لو جئتَ بحرفِ نفيٍ يتصوَّرُ انفصالُه عن الفعلِ لرأيتَ المعنى في " كلّ " مع تركِ إِعمالِ الفعلِ مثلَه مع إِعمالِه ومثالُ ذلكَ قولُه - البسيط - : .
( ما كُلُّ ما يتمنى المرءُ يدركُه ... ) .
وقولُ الآخر - البسيط - : .
( ما كلُّ رأيِ الفتى يَدْعو إِلى رَشَدِ ... ) .
" كلٌ " كما ترى غيرُ مُعْمَلٍ فيه الفعلُ ومرفوعٌ إِما بالابتداءِ وإِما بأنه اسمُ " ما " . ثم إِنّ المعنى مع ذلك على ما يكونُ عليه إِذا أعملتَ فيه الفعلَ فقتل : ما يدركُ المرءُ كلَّ ما يتمناه وما يدعو كلُّ رأيِ الفتى إِلى رشَدٍ وذلك أن التأثيرَ لوقوعِه في حيِّز النفي وذلك حاصلٌ في الحالين . ولو قدَّمتَ " كلاًّ " في هذا فقلت : كلُّ ما يتمنى المرءُ لا يدركه وكلُّ رأي الفتى لا يدعو إِلى رَشَدٍ لتغَّير المعنى ولصارَ بمنزلةِ أَنْ يقالَ : إِنَّ المرءَ لا يدركُ شيئاً مما يتمناه ولا يكونُ في رأيِ الفتى ما يدعو إِلى رَشَدٍ بوجهٍ من الوجوه .
واعلمْ أنَّكَ إِذا أدخلتَ كلاًّ في حيِّزِ النفي وذلك بأن تقدِّم النفيَ عليه لفظاً أو تقديراً فالمعنى على نَفْي الشمولِ دونَ نفيِ الفعلِ والوصفِ نفسِه . وإِذا أخرجتَ كلاًّ في حيِّز