( فكيفَ وكُلٌّ لَيْسَ يَعْدُو حِمَامَهُ ... ولا لامْرِئٍ عَمّا قَضَى اللهُ مَزْحَلُ ) .
المعنى عَلَى نَفْيِ أن يَعْدُوَ أحدٌ منَ الناسِ حِمَامَه بلا شُبْهةٍ . ولو قلتَ : فكيفَ وليس يعدو كلٌّ حمامَه فأخَّرتَ " كلاًّ " لأفسدتَ المعنى وصرتَ كأنك تقولُ : إِنَّ منَ الناس مَنْ يَسْلمُ من الحِمام ويبقى خالداً لا يموتُ . ومثلُه قولُ دعبل من - الطويل - : .
( فواللهِ ما أَدْري بأيِّ سِهامِها ... رَمَتْني وكُلٌّ عِنْدَنا ليسَ بالمُكْدي ) .
( أبِالجيدِ أَمْ مَجْرى الوِشاح وإِنَّنِي ... لأُتْهِمُ عَيْنَيها مع الفَاحِمِ الجَعْدِ ) .
المعنى عَلَى نفيِ أن يكونَ في سِهامِها مُكْدٍ على وجهٍ منَ الوجوهِ . ومن البَيِّن في ذلك ما جاءَ في حديث ذي اليدين قال للنبي : أَقَصُرَتِ الصلاةُ أم نَسِيتَ يا رسولَ الله فقال : " كلُّ ذلك لم يكُنْ " . فقال ذو اليدين : بَعْضُ ذلكَ قَدْ كان . المعنى : لا محالَة على نفيِ الأَمرين جميعاً وعلى أنه عليه السلام أرادَ أنه لم يكنْ واحدٌ منهما لا القَصرُ ولا النسيانُ . ولو قِيلَ : لَمْ يَكُنْ كلُّ ذلك لكانَ المعنى أنه قد كانَ بعضُه .
واعلمْ أنَّه لما كانَ المعنى مع إِعمال الفعلِ المنفيِّ في " كلّ " نحوُ : لم يأتِني القومُ كلُّهم ولم أرَ القومَ كلَّهم . على أنَّ الفعلَ قد كانَ من البعضِ ووقعَ على البعضِ قلتَ : لم يأتِني القومُ كلُّهم ولكنْ أتاني بعضُهم . ولم أر القومَ كلَّهم ولكنْ رأيتُ بعضَهم فأثبتَّ بعد ما نَفيْتَ . ولا يكونُ ذلك معَ رفعِ " كلّ " بالابتداءِ . فلو قلتَ : كلُّهم لم يأتِني ولكنْ أتاني بعضُهم . وكلُّ ذلك لم يكنْ ولكنْ كان بعضُ ذلك لم يَجُزْ لأنَّه يؤدي إلى التناقُضِ