" ورأيتُ ناساً يبهرِجون أشعارَ المولَّدين ويَسْتَسْقِطونَ مَنْ رَوَاها . ولم أرَ ذلك قطُّ إلاّ في روايةِ غيرِ بصيرٍ بجوهرِ ما يروي . ولو كان له بصرٌ لعرفَ موضعَ الجيِّدِ ممن كانَ وفي أيَّ زمانٍ كان . وأنا سمعتُ أبا عمرِو الشيبانيَّ وقدْ بلغَ مِنِ استجادته لهذين البيتين ونحنُ في المسجد الجامعِ يومَ الجمعةِ أن كلَّف رجلاً حتَّى أحضَره قِرطاساً ودواةً حتّى كتبهما " . قال الجاحظُ : وأنا أزعمُ أنَّ صاحبَ هذين البيتين لا يقولُ شعراً أبداً ولولا أنْ أُدخِلَ في الحكومةِ بعضُ الغَيبِ لزعمتُ أن ابنَه لا يقولُ الشعر أيضاً . وهما قولُه - السريع - : .
( لا تَحْسَبَنَّ المَوْتَ مَوْتَ البِلَى ... وإنَّما المَوْتُ سؤالُ الرِّجالْ ) .
( كِلاَهُما مَوْتُ ولكِنَّ ذَا ... أشَدُّ مِنْ ذاكَ عَلى كُلِّ حَالْ ) .
ثم قال : وذهبَ الشيخُ إلى استحسانِ المعاني والمعاني مطروحةٌ في الطريقِ يعرفُها العجميُّ والعربيُ والقرويُّ والبدويُّ . وإنما الشأنُ في إقامةِ الوزنِ وتخيُّرِ اللفظِ وسهولةِ المَخْرجِ وصحةِ الطَبْعِ وكثرةِ الماء وجَودةِ السَّبكِ . وإنما الشعرُ صياغةٌ