يقولُ الشَّعرَ منَ الخاصَّةِ عديدُ الرَّمل . ونحنُ نعلمُ أنْ لو كانَ منثورُ الكلام يُجمعُ كما يجمع المنظومُ ثم عمدَ عامدٌ فجمعَ ما قيلَ من جِنسِ الهزلِ والسُّخف نثراً في عصرٍ واحدٍ لأَرْبى على جَميعِ ما قاله الشُّعراء نظماً في الأزمانِ الكثيرةِ ولغمرَهُ حتّى لا يظهرَ فيه .
ثم إِنك لو لم تَرْوِ من هذا الضربِ شيئاً قطُّ ولم تَحفظ إِلا الجِدَّ المحضَ وإِلا ما لا مَعابَ عليكَ في روايته وفي المحاضرةِ به وفي نسخهِ وتَدوينهِ لكانَ في ذلك غِنًى ومَنْدوحةٌ ولوَجدْتَ طِلْبتَك ونلْتَ مُرادَك وحصل لك ما نحنُ ندعوكَ إِليه من عِلمِ الفصاحةِ . فاخترْ لنفسِكَ ودعْ ما تكرهُ إِلى ما تحبُّ .
هذا وراوي الشَّعر حاكِ وليس على الحاكي عَيبٌ ولا عليه تَبِعةٌ إِذا هوَ لم يَقصدْ بحكايتهِ أن ينصرَ باطلاً أو يَسوءَ مُسْلماً وقد حكى اللهُ تعالى كلامَ الكفّار . فانظرْ إِلى الغرضِ الذي له رُويَ الشّعر ومن أجلِه أُريد وله دُوَّن تَعلمْ أنّك قد زُغْتَ عن المنهج وأنّك مسيءٌ في هذه العداوةِ وهذِه العصبيّةِ منكَ على الشَّعر . وقد استشهدَ العلماءُ لغريبِ القرآنِ وإِعرابهِ بالأبياتِ فيها الفحشُ وفيها ذِكرُ الفعلِ القبيحِ ثم لم يَعِبْهم ذلك إِذ كانوا لم يَقْصدوا إِلى ذلك الفُحشِ ولم يُريدوه ولم يَرْووا الشّعرَ مِن أجلهِ .
قالوا : وكان الحسَنُ البصريُّ C يتمثَّلُ في مَواعظِه بالأبياتِ من الشّعرِ وكان من أوجعِها عندَه - الكامل - .
( اليومَ عندكَ دَلُّها وحَدِيثُها ... وغَداً لِغَيْرِكَ كَفُّها والمِعْصَمُ ) .
وفي الحديث عن عمر بن الخطاب Bه - ذكره المرزبانيّ في كتابه بإِسنادٍ