فصل في الكلام على من زَهد في رواية الشّعر وحِفْظهِ وذم الاشتغال بعلمه وتتبُعه .
لا يخلو مَن كان هذا رأيَهُ مِن أمورٍ : .
أحدُها : أن يكون رفضُه له وذمُّه إِيّاه من أجلِ ما يجدُه فيه من هَزلٍ وسُخفٍ وهجاءٍ وسبٍّ وكذبٍ وباطلٍ على الجُملة .
والثاني : أن يذمَّه لأنه موزونٌ مُقفٌّى ويرى هذا بمجرَّده عيباً يقتَضي الزُّهدَ فيه والتنزُّهَ عنه .
والثالثُ : أنْ يتعلَّقَ بأحوالِ الشُّعراءِ وأنها غيرُ جميلةٍ في الأكثرِ ويقول : قد ذُمُّوا في التنَّزيل . وأيٌ كان مِنْ هذه رأياً لهُ فهو في ذلكَ على خطأ ظاهرٍ وغلطٍ فاحش وعلى خلافِ ما يوجبُه القياسُ والنَّظرُ وبالضدَّ مما جاءَ به الأثرُ وصَحَّ به الخبر .
أما مَن زَعَم أنَّ ذمَّهُ لهُ من أجلِ ما يَجدُ فيه من هزلٍ وسُخفٍ وكذبٍ وباطلٍ فينبغي أن يَذُمَّ الكلامَ كُلَّه وأن يفضَّلَ الخرسُ على النُّطق والعِيُّ على البيان .
فمنثور كلامِ النّاسِ على كلَّ حالٍ أكثرُ من منظومِه . والذي زعمَ أنه ذمَّ الشَّعرَ من أجلهِ وعاداهُ بسببه فيه أكثرُ . لأنَّ الشعراءَ في كلَّ عصرٍ وزمانٍ معدودون والعامةَ ومَن لا