في الصِّلة ازدادَ الاشتباكُ والاقترانُ حتى لا يتصوَّرُ تقديرُ إفرادٍ في أحدِهما عن الآخِر وذلك في مثلِ قولَك : العَجَبُ من أني أحسنتُ وأسأتَ ويكفيكَ ما قُلتُ وسمعتَ وأيحسُنُ أن تنهَى عن شيءٍ وتأتَي مثلَه وذلك أنه لا يشبهُ على عاقلٍ أنَّ المعنى على جعلِ الفِعْلَين في حكمِ فعلٍ واحد . ومِنَ البيِّن في ذلك قولُه : .
( لا تَطْمَعُوا أَنْ تُهِينُونَا ونُكْرِمَكُمْ ... وأن نَكُفَّ الأّذَى عَنْكُمْ وتُؤْذُونا ) .
المعنى : لا تطمعوا أن تَروا إكرامَنا وقد وُجِد مع إهانَتِكم وجامَعَها في الحصولِ . وممَّا له مأخذٌ لطيفٌ في هذا البابِ قولُ أبي تمام - الطويل - : .
( لَهانَ عَلَيْنا أنْ نقولَ وتَفْعلا ... ونَذْكُرَ بَعْضَ الفَضْلِ مِنكَ وتُفضِلا ) .
وأعلمْ أنه كما كان في الأسماءِ ما يَصِلهُ معناهُ بالاسم قبلَه فيستغني بصلةِ معناهُ له عن واصلٍ يصلُه ورابطٍ يربِطُه وذلك كالصِّفِة التي لا تحتاجُ في اتِّصالِها بالموصوفِ إلى شيءٍ يصلُها به وكالتأكيدِ الذي يَفتقِرُ كذلك إلى ما يِصلُه بالمؤكَّد - كذلك يكونُ في الجملِ ما تتصلُ من ذاتِ نفسها بالتي قَبلها وتَستغني بربطِ معناها لها عن حَرْفِ عطفٍ يربُطها وهي كلُّ جملةٍ كانت مؤكِّدةً للتي قبلها ومبينِّةً لها . وكانت إذا حُصِّلتْ لم تكن شيئاً سِواها كما لا تكونُ الصفةُ غيرَ الموصوفِ والتأكيدُ غيرَ المؤكد . فإذا قلتَ : جاءني زيدٌ الظريفُ وجاءني القومُ كلٌّهم لم يكنِ الظريفُ وكلُّهم غيرَ زيدٍ وغيرَ القومِ .
ومثالُ ما هو من الجمل كذلك قوله تعالى ( آلم ذلِكَ الكِتابُ لا رَيْبَ فيه ) . قولُه ( لا رَيْبَ فيهِ ) بيانٌ وتوكيدٌ وتحقيقٌ لقولِه : ( ذلك الكتابُ ) وزيادةُ تَثْبيتٍ له وبمنزلِة أنْ تقولَ : هو ذلك الكتابُ هو ذلك الكتابُ فتعيدُه مرةً ثانيةً لتُثْبِتَه . وليس تَثْبيتُ الخبرِ غيرَ الخبرِ ولا شَيءَ يتميّزُ به عنه فيحتاجُ إلى ضامٍّ يَضُمُّه إليه وعاطفٍ يعطِفُه عليه . ومثلُ ذلك قولُه تعالى : ( إنَّ الذينَ كَفَروا سَواءٌ عَلَيْهِم أأنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ . خَتَم اللَّهُ