حتى يكونَ عمرٌو بسبب من زيدٍ وحتى يكونا كالنَّظيرينِ والشريكَيْنِ وبحيث إذا عرفَ السامُع حالَ الأّوَّل عناه أن يعرفَ حالَ الثّاني . يدلُّكَ على ذلكَ أنَّكَ إنْ جئتَ فعطفتَ على الأَوَّل شيئاً ليس منه بسببٍ ولا هُوَ مما يُذْكَرُ بذكرِه ويتَّصِلُ حديثُه بحديِثه لم يستقْم . فلو قلتَ : خرجتُ اليومَ من داري . ثم قلتَ : وأحسنُ الذي يقولُ بيتَ كذا . قلتَ ما يُضْحَكُ منه . ومن هاهُنا عابوا أبا تمامٍ في قوله - الكامل - .
( لا والذي هُوَ عالِمٌ أنَّ النَّوَى ... صَبِرٌ وأنَّ أبا الحُسَيْنِ كريمُ ) .
وذلك لأنه لا مناسبةَ بينَ كَرَمِ أبي الحسين ومرارِة النَّوى ولا تعلُّقَ لأَحِدهما بالآخرِ وليس يقتضي الحديثُ بهذا الحديثُ بذاك .
واعلمْ أنه كما يجبُ أن يكونَ المحدَّثُ عنه في إحدى الجملتين بسببٍ من المحدَّثِ عنه في الأخرى كذلكَ ينبغي أنْ يكونَ الخبرُ عن الثاني مما يَجْرِي مَجْرى الشبيهِ والنظيرِ أو النَّقيضِ للخبر عن الأولِ . فلو قلتَ : زيدٌ طويلُ القامة وعمرٌو شاعرٌ . كان خُلْقاً لأنه لا مُشاكلَةَ ولا تعلُّق بينَ طولِ القامةِ وبين الشعرِ وإنما الواجبُ أن يقالَ : زيدٌ كاتبٌ وعمرٌو شاعرٌ وزيدٌ طويلُ القامة وعمرٌو قصيرٌ . وجملةُ الأمِر أنها لا تجيءُ حتى يكونَ المَعْنى في هذِهِ الجملة لَفْقاً للمعنى في الأخرى ومُضَامَّاً له مثل أن زيداً وعمراً إذا كانا أخوَيْن أو نظيرين أو مُشتبكَيِ الأحوالِ على الجملة كانتِ الحالُ التي يكونُ عليها أحدُهما من قيامٍ أو قعودٍ أو ما شاكَلَ ذَلكَ مضمومةً في النَّفسِ إلى الحالِ التي عليها الآخَرُ من غَير شَكٍ . وكذا السبيلُ أبداً والمعاني في ذلك كالأَشخاصِ . فإنما قلتَ مثلاً : العلمُ حسنُ والجهلُ قبيحٌ . لأنَّ كونَ العلم حَسَناً مضمومٌ في العقولِ إلى كونِ الجهلِ قبيحاً .
واعلمْ أنَّه إذا كان المخَبرُ عنه في الجملتين واحداً كقولنا : هو يقولُ ويفعلُ ويَضُرُّ ويَنْفَعَ ويُسيءُ ويُحْسِنُ ويأمُرُ ويَنْهى ويَحُلُّ ويْعقِد ويأخُذُ ويُعْطي ويَبيعُ ويَشْتَري ويأكُلُ ويشرَبُ واشباه ذلك ازدادَ معنى الجمعِ في الواو قوةً وظهوراً وكان الأمْرُ حينئذٍ صريحاً . وذلكَ أنَّك إذا قلتَ : هو يَضُرُّ وينفعُ . كنتَ قد أفدتَ بالواو أنكَ أوجبتَ له الفعلينِ جميعاً وجعلَته يفعلُهما معاً . ولو قلتَ : يَضرُّ ينفعُ من غير واو لم يجبْ ذلك بل قد يجوزُ أن يكونَ قولُكَ ينفعُ رجوعاً عن قولك يضرٌّ وإبطالاً له . وإذا وقعَ الفعلانِ في مثلِ هذا