ويدلُّ على أنْ ليس مجيءُ الجملةِ من المبتدأ والخبر حالاً بغيرِ الواو أصلاً قِلَّتُه وأنه لا يجيءُ إلاّ في الشيءِ بَعْدَ الشيء . هذا ويجوزُ أنْ يكونَ ما جاءَ من ذلك إنما جاءَ على إرادةِ الواو كما جاءَ الماضي على إرادة " قد " .
واعلمْ أنَّ الوجهَ فيما كان مثلَ قولِ بشار .
( خَرَجْتُ مَعَ البازي عَلَيَّ سَوادُ ... ) .
أن يُؤْخَذَ فيه بمذهَبِ أبي الحسن الأخفشِ فيُرْفَعَ " سواد " بالظرفِ دونَ الابتداء ويَجْري الظرف هاهُنا مَجراه إذا جَرتِ الجملةُ صفةً على النكرة نحوُ : مررتُ برجلٍ معه صقرٌ صائداً به غداً . وذلك أنَّ صاحبَ الكتاب يُوافِقُ أبا الحسنِ في هذا الموضع فيرفَعُ " صقرٌ " بما في " مَعَه " مِنَ الفعلِ . فلذلكَ يجوزُ أن يُجْريَ الحالَ مُجْرى الصفةِ فَيرفَعُ الظاهرَ بالظرف إذا هو جاءَ حالاً فيكونُ ارتفاعُ " سواد " بما في " عَليَّ " من معنى الفعل لا بالابتداء . ثم ينبغي أن يُقَدَّر هاهُنا خصوصاً أنّ الظرفَ في تقديرِ اسم فاعلٍ لا فعل أعني أنْ يكونَ المعنى " خرجتُ كائناً عليَّ سوادٌ أو باقياً عليَّ سوادٌ " ولا يُقدَّرُ " يكون سوادٌ عليَّ ويبقى عليَّ سواد اللهمَّ إلاَّ أن تقدِّرَ فيه فعلاً ماضياً مع " قد " كقولك : خرجتُ مع البازي قد بقيَ عليًّ سوادٌ والأوُل أظهرُ .
وإذا تأملتَ الكلامَ وجدتَ الظرفَ وقد وقع مواقعَ لا يستقيمُ فيها إلاّ أنْ يقدَّر تقديرَ اسم فاعلٍ . ولذلك قال أبو بكرِ بنُ السرَّاج في قولِنا : زيدٌ في الدار إنك مخيَّرٌ بين أنْ تقدِّرَ فيه فعلاً فتقولَ : استقرَّ في الدارِ وبينَ أن تقدِّرَ إسمَ فاعلٍ فتقولَ : مستقرٌ في الدار . وإذا عاد الأمرُ إلى هذا كان الحالُ في تركِ الواو ظاهرةً وكان " سوادٌ " في قوله : خرجتُ مع البازي عليَّ سوادٌ بمنزلة " قضاء الله " في قولِه - الطويل - :