جئتَ به لتزيدَ معنًى في إخباركَ عَنْه بالمجيء وهو أنْ تَجعَله بهذه الهيئةِ في مجيئهِ . ولم تجرِّد إثباتَك للركوب ولم تباشِرْه به ابتداءً بل بدأتَ فأثبتَّ المجيءَ ثم وصلت به الركوبَ . فالتبسَ به الإثباتُ على سبيلِ التَّبَع لغيِره وبشرطِ أنْ يكونَ في صِلَتِهِ . وأمّا في الخبِر المطلق نحو " زيدٌ منطلقٌ وخرج عمرٌو " فإنَّك أثبتَّ المعنى إثباتاً جرَّدتَه له وجعلتَه يبُاشِرهُ من غيرِ واسطةٍ ومن غير أن تتسبَّبَ بغيره إليه .
وإذْ قَدْ عَرَفْتَ هذا فاعلمْ أنَّ كلًّ جملةٍ وقعتْ حالاً ثم امتنعتْ منَ الواو فذاك لأَجْلِ أنَّك عمَدتَ إلى الفعل الواقعِ في صدرِها فضممتَه إلى الفعلِ الأَول في إِثباتٍ واحدٍ . وكلُّ جملة جاءَتْ حالاً ثم اقتضِت الواو فذاكَ لأنكَ مستأنِفٌ بها خبراً وغيرُ قاصدٍ إلى أن تضمَّها إلى الفعلِ الأوًّل في الإثبات .
تفسيرُ هذا أَنك إذا قلتَ : جاءني زيدٌ يسرعُ . كانَ بمنزلة قولِكَ : جاءني زيدٌ مسرعاً . في أنك تثبتُ مَجيئاً فيه إسراعٌ وتصلُ أحدَ المعنيين بالآخَرِ وتجعلُ الكلامَ خبراً واحداً وتريدُ أن تقولَ : جاءني كذلك وجاءني بهذه الهيئة . وهكذا قولُه : .
( وقد عَلَوْتُ قُتُودَ الرَّحْلِ يَسْفَعُني ... يَوْمٌ قُدَيدِيمَةَ الجَوزاءِ مَسْمُومُ ) .
كأنه قال : وقَدْ عَلَوتُ قُتودَ الرحل بارزاً للشمس ضاحياً . وكذلك قولُه : .
( مَتَى أَرَى الصُّبْحَ قَدْ لاَحَتْ مَخايِلُه ... ) .
لأنه في معنى : متى أرى الصبحَ بادياً لائحاً بَيِّناً متجلِّياً وعلى هذا القياس أبداً . وإذا قلتَ : جاءني وغلامُه يسعى بَيْنَ يديه ورأيتُ زيداً وسيفُه على كتفه . كان المعنى على أنك بدأتَ فأثبتَّ المجيءَ والرؤيةَ ثم استأنفتَ خبراً وابتدأتَ إثباتاً ثانياً لسعيِ الغلام بينَ يديه ولكونِ السيفِ على كتِفِهِ . ولمَّا كان المعنى على استئنافِ الإثبات احتيجَ إلى ما يربِطُ الجملةَ الثانية بالأُولى فجيءَ بالواو كما جيءَ بها في قولك : زيدٌ منطلقٌ وعمرٌو ذاهبٌ والعلمُ حسنٌ والجهلُ قبيحٌ . وتسميتُنا لها " واو الحال " لا يُخرجُها عن أنْ تكونَ مُجتلبةً لضمِّ جملةٍ إلى جملة . ونظيرُها في هذا الفاءُ في جوابِ الشرطِ نحوُ : إن تأتِني فأنتَ مُكْرَم